إيطاليا أخرى
التقدم الذي حققه تحالف اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الإيطالية التي جرت يوم الأحد الماضي، لا بد أن يلقي بظلال قاتمة على مستقبل الديمقراطية في أوروبا، ومن ثم على مستقبل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد التقدم المماثل الذي حققته الأحزاب المتطرفة في الانتخابات الألمانية والنمساوية مؤخراً.
عرفت الأحزاب اليمينية الأوروبية كيف تستغل الأزمة الاقتصادية التي ضربت القارة خلال السنوات الأخيرة، كما نجحت في اللعب على وتر الهواجس والمخاوف المعادية للاجئين والمسلمين، فيما فشلت الأحزاب الديمقراطية واليسارية في مواجهة المد اليميني من جراء قصور في كيفية التعامل مع التطورات الناجمة عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أحسن اليمين استغلالها في توطيد مواقعه والظهور بمظهر المدافع عن المصالح الشعبية.
النتائج شبه النهائية تشير إلى تقدم لافت لليمين، إذ إن «حركة النجوم الخمس» الشعبوية بزعامة لويجي دي مايو حصدت وحدها نحو ثلث أصوات الناخبين، وبذلك أصبحت من أكبر الأحزاب المنفردة الممثلة في البرلمان، فيما حصد التحالف الثلاثي اليميني الذي يضم حزب إيطاليا إلى الأمام بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرليسكوني، و«رابطة الشمال» المعادية للمهاجرين والأجانب بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب أخوة إيطاليا (فراتيلي ديطاليا) السيادي بزعامة الوزيرة السابقة جورجيا ميلوني، نسبة تصل إلى أكثر من 37 بالمئة، ما يعطي لسالفيني حق المطالبة بتشكيل الحكومة الجديدة. أما الحزب الديمقراطي الحاكم فقد اعترف بالهزيمة.
وهكذا فإن نتائج الانتخابات سوف تضع إيطاليا أمام مفصل سياسي مهم قد يغير وجهها السياسي، ويؤثر في مسيرة الاتحاد الأوروبي، انطلاقاً من المواقف التي يمكن أن تتخذها الحكومة في حال شكّلها اليمين واليمين المتطرف، الذي رفع خلال الحملة الانتخابية شعارات عنصرية ومتطرفة، مثل «الإيطاليون أولاً» و«أوقفوا الاجتياح» في إشارة إلى المهاجرين. لكن يبدو حتى الآن أن هناك استحالة قيام تحالف بين «حركة النجوم الخمس» والتحالف الثلاثي نظراً لتعارض أهدافهما، فالحركة تحارب كل الأحزاب اليمينية واليسارية، وتعادي المنظومة السياسية بالكامل، وترفع شعار التصدي للفساد، وتراهن على الحركة التشاركية للمواطنين في اتخاذ القرارات الكبرى، وفي هذا السياق تدعو لإجراء استفتاء حول بقاء إيطاليا في الاتحاد الأوروبي.
اللافت أيضاً في هذه الانتخابات هو عودة الحياة لبيرليسكوني الذي كان يعتقد أن تهم الفساد والفضائح الجنسية قد قضت على حياته السياسية عندما كان رئيساً للوزراء، واللافت أيضاً حالة الفرح التي عمت الأحزاب الأوروبية اليمينية في فرنسا والنمسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها.
إيطاليا أمام مفترق، لأنها قد تدخل حالة من الفوضى السياسية، إذ لا يوجد حزب سياسي بمقدوره الحكم منفرداً، كما أن السياسات الإيطالية الجديدة سوف تشكل صداعاً للاتحاد الأوروبي.
نقلا عن “الخليج”