60 مليون دونم من الاراضي الصحراوية قابلة للاحياء
بدأ “ابو ياسر” (قريب لي) قبل 10 سنوات بمشروع في ارض رملية/صحراوية مساحتها 200 دونم. وبسلفة مالية، قام بزراعة “الكالبتوس” والنخيل والرمان والسدرة بالاعتماد كلياً على الابار. ومنذ 5-6 سنوات فكر بتسمين ومكاثرة الحيوانات. واجهته مشاكل، اهمها “كاز” المضخات، وغلاء الاعلاف، ونظام الري السيحي. فهو غير متخصص بالزراعة والحيوانات، فشمر ساعديه، ولجأ للمشورة، والحصيلة:
1- تحولت الارض الجرداء لمزرعة عامرة تضم 1500 نخلة، تحيطها اشجار الكالبتوس والرمان والسدر، و100 دونم مزروعة بالجت والبرسيم والشعير والحنطة، وفيها حوالي 30 عجلاً، و50 من الاغنام الجيدة و20 من الماعز الشامي المهجن، و5 خيول اصيلة، وعائلتين ثلاثية من النعام، وزوج غزلان ريم، اضافة للدجاح و”الفسيفس” و”القبج” والحمام، وكله يتغذى بانتاج المزرعة عموماً، وليس الاعلاف المشتراة. ووصل “ابو ياسر” لنظام افضل للري بالتنقيط يعالج مسألة الاملاح وتكسر الانابيب بسبب الحرارة، واستخدام المرشات، ولجأ للالواح الشمسية للحصول على الكهرباء وتشغيل المضخات. فنصب مجموعتي الواح، الاولى 92 لوحة، والثانية 14 لوحة، لخفض التكاليف، فماطور الكاز يستهلك 20 لتراً يومياً، عدا 10 لتر دهن اسبوعياً.
2- اجور العاملين والنفقات الكلية للعام الماضي 40 مليون سنوياً تقريباً.. وموارده التقريبية: أ) 50 مليون دينار من تسمين العجول ودورتها 6 شهور، فالعجل يكسب 800 غراماً يومياً.. وسعر اللحم الحي 7000-8000 دينار/كيلو. ب) 6 مليون دينار من مبيعات 40 من الاغنام والماعز، و30 زوجاً من “الفسيفس” وغيرها، بسبب التكاثر.. ج) اضافة للاستهلاك العائلي للبيض واللحوم والحليب والتمور والخشب، الخ.. د) تكاثرت الخيول الى 5.. هـ) الغزلان سيصبحون قريباً 4.. و) اعطى “النعام” حوالي 70 بيضة، وتعادل الواحدة 24 بيضة دجاج، وقيمة البيضة على “النت” 30 دولاراً. فلقد عرف العراقيون القدماء “النعام”، فهو ملائم للبيئة البدوية، وطعامه بسيط، ومقاومته للامراض عالية، ويسميه الايرانيون “دجاج الجمل” (شترمرغ)، ويعيش 50-60 عاماً، ووزنه 100-120 كغم، وجلده وريشه وغيرهما لها اسواق معروفة، ويعطي 55 كغم لحم صافي واطىء الكولسترول.
3- يفكر “ابو ياسر”: أ) زيادة العجول لـ50 لكل 6 شهور، والتوسع لاحقاً لتربية الجمال.. ب) توسيع الارض المزروعة باستخدام المرشات.. ج) تكثير النعام.. د) تسويق التمور و”النبق”.. هـ) اقامة منحلة للعسل.. و) مشتل صغير للخضروات.. ز) واخر “للاستنبات” لزيادة وتنويع الاعلاف.. ح) استخلاص الغاز من الـ”روث” والنفايات، والمتجمع منها 50 كغم/يوم، ليوفر4-5 كغم/غاز/يوم، فكل 5 كغم نفايات=0.43 كغم/غاز، والباقي سماد طبيعي نظيف، ومليء بالنتروجين. تمتلىء المزرعة اليوم بالاف الطيور والعصافير.. ويلاحظ في الارض المخدومة تحول التربة من رملية صرفة، لرملية/طينية.
4- مساحة العراق 174.8 مليون دونم، وثلثها بوادي وصحارى، أي 50-60 مليون دونم تقريباً.. وتقدر المياه الجوفية المتجددة سنوياً بـ4 مليار/م3، قد تكفي لارواء حوالي 4-7 مليون دونم، حسب الاستخدام.. فلماذا تتلكأ الدولة في التمليك مجاناً للراغبين، شرط الاحياء والاستثمار.. فـ”الارض لمن احياها”، لتنهي الدولة بعض احتكارها، مما سيغري مئات الالاف من الافراد والعوائل، ويساهم بتوليد قيم حقيقية، وفرص استثمارية، وامتصاص البطالة، وزيادة الناتج الوطني، دون تكليف الدولة اموالاً اضافية. فالمطلوب تقنين الحالة، وتطوير التسهيلات والارشاد الذي من المفترض ان الدولة تقوم به اساساً. فهناك كثيرون كـ”أبي ياسر”، وتكون الدولة قد قامت بواجبها. سيقولون، لنحيي ونُمّلك الاراضي الصالحة قرب الانهار، قبل الصحراوية.. والجواب كلاهما واجب وممكن.. عدا ان البعض قد يتحجج بالشحة المالية والتعقيدات والمنازعات في الاراضي الصالحة، بينما سيكون خلو الارض وسند الملكية، حافزاً قوياً لاحياء مساحات من البوادي والصحارى.
5- في صيف 1969 كنت بدورة دراسية في النرويج.. وأُخبرت حينها، ان الظروف الصعبة شمال اوسلو وصولاً للقطب الشمالي، والتي تشكل الجزء الاعظم من مساحة البلاد شبه خالية من السكان، فتغري الدولة المواطنين للعيش هناك بتوفير اجور وامتيازات واعفاءات اعلى من بقية البلاد!!
عادل عبد المهدي