قرارات مجلس الأمن والمعايير المزدوجة
د. يوسف مكي
يكتسب هذا المقال أهميته، لأنه يأتي رداً على قرار الإدارة الأمريكية، نقل سفارة بلادها لمدينة القدس، في شهر مايو/ أيار المقبل، تزامناً مع احتفال دويلة «إسرائيل» بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين، إثر النكبة عام 1948.
إن الإدارة الأمريكية، التي تصدع رؤوسنا بالحديث عن الشرعية والقانون الدوليين، لا تجد غضاضة في الخروج على قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك، قرارات مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة، متى وجدت أن هذه الخروقات تخدم سياساتها وأجنداتها.
ولكي لا يكون كلامنا إنشائياً، وإغراقاً في التفاصيل، نكتفي في هذا الحديث بتناول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وهو القرار الذي بنيت على أساسه كل المبادرات والاتفاقات الدولية، بشأن ما بات معروفاً بأزمة الشرق الأوسط، والتي تعني تحديداً، الصراع العربي – «الإسرائيلي».
صدر قرار مجلس الأمن الدولي 242 في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1967، وهو في الأصل مشروع بريطاني تقدم به اللورد كارادون، الذي كان في حينه مندوب بريطانيا الدائم بالأمم المتحدة، الذي قدم تعهده آنذاك للحكومة المصرية، وفقاً لتصريحات وزير الخارجية المصري، محمود رياض بأن هذا القرار، لن يترتب عليه تصفية القضية الأساسية، للصراع العربي مع «إسرائيل»، وهي القضية الفلسطينية.
وحمل القرار ما نصه «إن مجلس الأمن إذ يعبر عن قلقه المستمر إزاء الخطر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، والحاجة إلى إحلال سلام عادل ودائم، تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في سلام. وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء، عندما قبلت ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة الثانية من الميثاق.
إن تطبيق مبادئ الأمم المتحدة، وفقاً لنص القرار 242، يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، الأمر الذي يجب أن يتضمن كلا المبدأين التاليين: انسحاب القوات «الإسرائيلية» من أراض احتلتها في النزاع الأخير، وإنهاء جميع حالات الحرب أو الادعاء بها، واحترام الاعتراف بالسيادة ووحدة الأراضي، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وبحقها في العيش بسلام في نطاق حدود آمنة ومعترف بها، ومتحررة من أعمال القوة والتهديد بها.
وفي سؤال تقدم به وزير خارجية مصر، للورد كارادون حول الانسحاب من الأراضي من قبل «إسرائيل»، أجاب أن النص يعني كل الأراضي وليس بعضها، بدليل النص في مقدمة القرار على عدم شرعية حيازة الأراضي عن طريق الحرب، ثم إن كلمة الأراضي موجودة في نص القرار باللغات الرسمية الأربع الأخرى، الفرنسية والروسية والإسبانية والصينية. وأكد كارادون أن هذا القرار، هو للتنفيذ.
وقبل التصويت على القرار من قبل مجلس الأمن، التقى اللورد كارادون، الذي صاغ القرار، بالوفود العربية، وأكد لهم، أن مجرد ذكر عدم جواز ضم الأراضي بواسطة الحرب، وطبقاً لمشاوراته مع المندوب الأمريكي، وطبقاً لمفهومة هو شخصياً يعني الانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في حرب حزيران/ يونيو عام 1967. فأعاد محمود رياض السؤال وهل يعني ذلك الانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في هذه الحرب، فأجابه بنعم. إن القرار يعني كل الأراضي التي احتلت في الحرب الأخيرة.
وفي لقاء للتشاور مع أعضاء مجلس الأمن، أكد مندوب الهند أنه يفهم من صيغة القرار أنها تعني إلزام «إسرائيل بالانسحاب من كل الأراضي»، وحددها المندوب الهندي بسيناء وغزة ومدينة القدس القديمة والأراضي الأردنية، غرب نهر الأردن والأراضي السورية، ولأن الأمر كذلك، فإن «إسرائيل» لا تستطيع استخدام كلمات حدود آمنة ومعترف بها، لكي تحتفظ بأي أرض احتلتها في حرب يونيو/ حزيران 1967.
وجرى التصويت على القرار المذكور بالإجماع. وبدأت التعقيبات على القرار فتحدث مندوب نيجيريا الذي أكد على أن فهمه للقرار يعني انسحاب «الإسرائيليين» من جميع الأراضي التي احتلوها في الحرب الأخيرة. وأكد المندوب الفرنسي، على أن المسألة الأساسية هي انسحاب القوات «الإسرائيلية» من جميع الأراضي التي استولت عليها في الحرب الأخيرة. وتحدث مندوب البرازيل، بأن المبدأ العام هو أنه لا يوجد واقع دولي مستقر، يقوم على استخدام القوة، وأن احتلال أو حيازة الأراضي بالقوة يجب أن لا يعترف به. وأكد مندوب اليابان ما أشار إليه مندوب البرازيل. وأوضح مندوب مصر ووزير خارجيتها في كلمة له بمجلس الأمن، على أهمية تحقيق الانسحاب «الإسرائيلي» الكامل، وعدم المساس بالحقوق الفلسطينية.
إثر حرب العبور في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، صدر قرار وقف إطلاق النار 338، مؤكداً على ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. وقد استندت جميع مبادرات السلام، والاتفاقيات التي أعقبتها، بما في ذلك معاهدة كامب ديفيد واتفاقية وادي عربة واتفاق أوسلو، ومبادرة السلام العربية، وجميع التفاهمات بين السلطة الفلسطينية والراعي الأمريكي على اعتبار القرار 242 قاعدة لتسوية الصراع في المنطقة.
وعلى هذا الأساس، فإن مدينة القدس، هي وفقاً للقانون الدولي، ولقرار مجلس الأمن الدولي، آنف الذكر أرض محتلة، لا يجوز المساس بها أو تغيير واقعها وقوانينها، والعبث بهويتها.
إن قرار الرئيس الأمريكي ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، هو انتهاك للقوانين الدولية، وخروج على قرار مجلس الأمن 242 الذي تبنته بريطانيا، الحليفة التاريخية لأمريكا، والذي وافقت عليه بلاده. وهو يعني ازدواجية للمعايير، واستسهال الخروج على مبادئ وقرارات الشرعية الدولية، وهو إسهام بنشر الفوضى، وغياب الأمن والسلم الدوليين.
“الخليج”