لو هناك عدالة
العراق يحتاج إلى 88 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بدءاً من العام 2003 وهو تاريخ الغزو الأمريكي، وصولاً إلى النبت الشيطاني الإرهابي الذي غزا أرض السواد في ظل الاحتلال، وما بعده، وصولاً إلى يومنا هذا.
ما تم جمعه في مؤتمر إعادة الإعمار الذي عقد مؤخراً في الكويت هو 30 مليار دولار، أي نحو ثلث ما يحتاج إليه العراق لبدء ورشة إعادة الإعمار، وهذا المبلغ ليس هبات في معظمه، بل استثمارات، أي أن العراقيين سوف يدفعونه على مدى سنوات بطريقة، أو بأخرى.
لقد أتى الغزو على البنية التحتية من مبان، ومدارس، وكهرباء، ومؤسسات صحية، وطرقات، وجسور، وأدى إلى مقتل مئات الآلاف، وإصابة عشرات الآلاف بأمراض مستعصية جراء استخدام أسلحة محرمة، مثل اليورانيوم المنضب، وانتشرت الأوبئة والجريمة، وراجت تجارة المخدرات، وفقد ملايين الأطفال مدارسهم، أي أن جيلاً كاملاً بات غير مؤهل لولوج أبواب المستقبل، عدا تزايد معدلات البطالة، وغلاء المعيشة.
وكان للاحتلال الفضل في زرع بذور الفساد، حيث جرى الحديث عن تبخر مبلغ تسعة مليارات دولار في عهد الحاكم الأمريكي بريمر، لا تعرف الجهة التي استولت عليه، وجرى طي صفحته، كما لعب الاحتلال أسوأ أدواره في ضرب وحدة العراق وإضعاف دوره العربي، من خلال تثبيت ركائز المحاصصة الطائفية التي كانت وبالاً على العراق، ووباء أسس لظهور التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى «داعش» الذي لم تكن الأصابع الأمريكية بعيدة عن تصنيعه، والنفخ في روحه، وإعطائه ما يلزم من سموم ووسائل، جعلته ينفذ أبشع جرائم العصر، بأدوات ومبادئ مشبوهة أساءت للدين الإسلامي، ولكل شرائع الأرض والسماء، من خلال القتل، والذبح، والسبي، والتدمير، وبث سموم التطرف والتكفير.
هناك مدن عراقية مدمرة بالكامل، مثل الموصل التي كانت عاصمة لدولة الخلافة الوهمية، ومدن أخرى نالها نصيب وافر من التدمير، إضافة إلى أحياء، وشوارع، ومجار، ومدارس، ومستشفيات، ومستوصفات، وجسور بحاجة إلى إعادة بناء. إضافة إلى إعادة بناء الإنسان العراقي، وهي مهمة أصعب من بناء الحجر.
كل هذا الخراب سببه الغزو الأمريكي للعراق، ومن ثم احتلاله.. هنا نقطة البداية، ومن هنا بدأت الكارثة التي يحاول العراق لملمة آثارها ويبدو عاجزاً عن الوفاء بمتطلباتها، رغم ما يملكه من إمكانات وثروات مادية.
الحقيقة، أنه لو كانت هناك عدالة دولية لكان على الولايات المتحدة وحدها، أن تعيد إعمار العراق، لأنها المسؤولة عن كل ما جرى فيه، خصوصاً أنها قامت بغزوه واحتلاله خارج الشرعية الدولية، وتحت مبررات ومزاعم ثبت بطلانها.
“الخليج”