لماذا الحرب أصلاً؟
د. حسن مدن
قد يكون حادث إسقاط طائرة إف 16 «الإسرائيلية» من قبل المضادات الجوية السورية حادثاً عرضياً قد لا يتكرر ثانية، على الأقل في الأفق المنظور، وعلينا أن ننتظر لنرى عكس ذلك، لكن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو سارع لمهاتفة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طالباً منه، على ما نقلت بعض الوكالات، التدخل لمنع أي تصعيد محتمل بين «تل أبيب» ودمشق، إدراكاً منه لما لبوتين من تأثير في القرار السياسي السوري.
لم تذهب موسكو في وجهة أخرى، حين أكدت بدورها دعوتها إلى تفادي التصعيد، وأبرزت حرصها على سلامة جنودها في سوريا في حال نشوب مواجهة عسكرية سورية – «إسرائيلية»، كما جرى حديث عن استمرار التنسيق بينها وبين «تل أبيب».
منطقي أن موسكو لا ترغب في مثل هذه المواجهة، لأنها ستدخل تعقيدات ضخمة على المشهد المعقد أصلاً في المنطقة، لكن اللافت أن «إسرائيل»، أيضاً، لا ترغب فيها، رغم تحذيراتها المتكررة من الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وعدم ترددها، بين الحين والآخر، في قصف مواقع في الأراضي السورية تقول إنها عائدة ل«حزب الله»، أو لإيران، لكنها تتعامل مع اعتداءاتها على الأراضي السورية كتدابير احترازية تحرص على ألا تتحول إلى مواجهة، يصعب التحكم في مساراتها، ونتائجها.
لم تتخل «إسرائيل»، ولن تتخلى عن نهجها العدواني تجاه البلدان العربية، خاصة تلك المحيطة بها، وستظل عقيدتها العسكرية مبنية على هذا الأساس، كما أنها لن تتورع عن خوض حروب جديدة في المنطقة إذا شعرت بأن موازين القوى تتطور في غير مصلحتها، ولكن هناك مستجدات حاسمة في المنطقة تجعلها في غنى عن الخيار العسكري ما دامت تجني أهدافها، واحداً بعد الآخر، من دون أن تطلق النيران.
لقد قدّم العرب الخدمة “لتل أبيب”، فما يجتاح المنطقة من فوضى، ومن تمزق وانهيار للكيانات، وتهاوي القدرات العربية، وضعت «إسرائيل» وبشكل غير مسبوق منذ تأسيسها في وضع مريح، وبوسع المراقب أن يلمس مقدار الشماتة من العرب والنشوة مما يفعلونه بأنفسهم، في خطاب المعلقين «الإسرائيليين» الذين يطلون على الفضائيات كل مساء.
منظومة الأمن العربي التي كانت قائمة، ولو في حدودها الدنيا وبهشاشة بينة، انهارت كلياً، ولم يعد في وسع أي دولة عربية أن تفكر في مواجهة «إسرائيل» عسكرياً، لأسباب عدة بطبيعة الحال، ولكن ضمنها، وربما في مقدمتها، أن كل دولة منشغلة بما هي فيه، وما تواجهه من تحديات أمنية، بعضها على شكل حروب أهلية، وبعضها آتٍ من حال الاستقطاب الإقليمي الحاد في المنطقة بين محورين إيراني وتركي.
«إسرائيل» لم تعد في حاجة للحرب، على الأقل حتى إشعار آخر، وستبذل جهدها كي لا تندلع، موفرة الضحايا والخسائر على جنودها وجيشها ومواطنيها، فما كانت الحرب ضرورية لبلوغه يأتيها مجاناً.
“الخليج”