اراء و أفكـار

سوريا للسوريين أم لا؟

هناك أكثر من سوريا على الطاولة، فيما يختبئ السوريون في خنادقهم في انتظار ما يسفر عنه جدل، ليسوا طرفا فيه. جدل يتعلق بـ’لمن سوريا؟’ و’من هم سوريوها؟’.

لم تعد البداهة تحكم الكثير من المعادلات السياسية في المنطقة العربية. كأن لا يكون أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، الذي نصب نفسه خليفة منذ بدء غزوة التنظيم الإرهابي، مطلوبا من قبل الحكومة العراقية مثلا، أو أن تكون سوريا للطيبين من السوريين، وتغلق أبوابها في وجوه السوريين الأشرار.

كما أن رفع شعار من نوع “سوريا للسوريين” ينطوي على قدر من الغموض. ذلك لأنه صار من الصعب الاتفاق على تعريف ثابت للسوري (من هو السوري؟) في ظل تداخل المصالح بين قوى إقليمية ودولية وقوى محلية وضعت نفسها في خدمة مشاريع لا تمتّ بصلة للخلافات السورية – السورية، وهي لا تمهد لأي نوع من التسوية التي يحلم السوريون بأن تتحقق اليوم قبل الغد.

“سوريا للسوريين” هو شعار مضلل إذا ما وضع في قالب بعينه. هو القالب الذي يعفي حاملوه أنفسهم من رؤية واقع ما انتهى إليه السوريون. فليس الانتماء إلى سوريا عقيدة. كما أنه بالقوة نفسها لا يعبّر عن درجة القبول بالأمر الواقع أو رفضه.

من جهة أخرى فإن توزع السوريين بين الأطراف المتناحرة التي لا يمكن تبسيط وجودها من خلال معادلة “حكومة ومعارضة”، قد وضع مفهوم الهوية السورية على مفترق طرق متشعبة. فليس مَن احتمى بالحكومة مساو في الامتيازات والاستحقاقات لمَن وجد حلا لمشكلة سوريته من خلال الانتماء إلى جماعات وتنظيمات ممولة من قبل جهات، ليست هي جزءا من تلك المشكلة.

مع الوقت صارت سوريا نفسها تقف على مفترق طرق متشعبة.

على سبيل المثال فإن الكردي السوري الذي يحتل مدينة، هي ليست جزءا من المنطقة الكردية مستقويا بدعم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، يلعب الدور نفسه الذي يلعبه حزب الله اللبناني حين يفرض سيطرته على بلدات وقرى سورية مستندا على اتفاق ضمني مع روسيا.

في إطار تلك المعادلات الهجينة والمثيرة للاستغراب، فإن المعارضة الرسمية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحدد ملامح الشخصية السورية التي تنسجم مع شروطها التي تضبط علاقة السوري بهويته.

وهو حال الحكومة السورية حين تؤكد على أن السوريين الطيبين، وحدهم، مَن يستحقون أن يغمرهم ذلك الشعار بنعمه التي هي إلى حد بعيد ضرب من الخيال، ذلك لأن ما يخبئه المستقبل من معطيات هو أكبر من أن تكون تلك الحكومة ملمة به. فقد يحل السلام من غير أن تكون هناك حكومة في سوريا.

وهو سلام سيُدفع ثمنه لاحقا.

طبعا هناك مَن سيعترض على ما ورد من جهة ثقته بصلابة الوطنية السورية، وهي كما أرى ثقة في غير محلها. فبعد أن تعرض السوريون إلى مختلف أنواع الانقلابات في ما يتعلق بعلاقة النظري بالواقعي، فإن الثبات عند المستوى النظري للوطنية السورية يعدّ نوعا من عدم استيعاب الدروس التي فرضها الواقع بكل ما انطوى عليه من كوارث، ضربت الإنسان في صميم شروط حياته ومنها شروط الانتماء العاطفي.

سوريا نفسها لم تعد سوريا، فكيف يحق لنا أن نفترض أن السوريين ما زالوا سوريين، يبكون ويضحكون بمزاج واحد؟

من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين دعا إلى مؤتمر للشعوب السورية كان يقصد فتح عيون السوريين على حقيقة لا يرغبون في التعامل معها من منطلق الاعتراف بواقعهم المزري.

وهم في ذلك لم يلتفتوا إلى جيرانهم العراقيين الذين تحولوا إلى مجرد مكوّنات وليس شعبا.

حرض بوتين على استعمال مصطلح “شعوب” ولم يقل “مكونات”. غير أن المعنى واحد. فالحرب التي أحرقت سوريا أحرقت في طريقها تلك الهوية التي بات الحديث عنها نوعا من التزوير.

هناك أكثر من سوريا على الطاولة، فيما يختبئ السوريون في خنادقهم في انتظار ما يسفر عنه جدل، ليسوا طرفا فيه. جدل يتعلق بـ“لمَن سوريا؟”. و“مَن هم سوريوها؟”.

كاتب عراقي

فاروق يوسف

“العرب”

مقالات ذات صلة