كلور الأسد وقلق المجتمع الدولي: سباق الذئب والسلحفاة
رأي القدس
أكدت تقارير صحافية ميدانية ونشطاء على الأرض مواظبة النظام السوري على استخدام غاز الكلور في هجمات استهدفت مناطق عديدة غير خاضعة لسيطرة النظام. ففي 22 كانون الثاني /يناير الماضي تعرضت بلدة دوما المحاصرة، شرق العاصمة دمشق، إلى قصف أسفر عن إصابة مواطنين، بينهم أطفال، بعوارض اختناق وضيق تنفس تؤكد استخدام غاز الكلور. وقبل أيام سُجلت حالات اختناق مماثلة بعد قصف جوي تعرضت له مدينة سراقب في محافظة إدلب، أكد الخبراء أنه ناجم أيضاً عن استخدام غاز الكلور. وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت أن ضربة سراقب هي «سادس هجوم من هذا النوع يسجّل في سوريا في غضون الأيام الثلاثين الأخيرة».
من جانبه فإن المجتمع الدولي، ممثلاً في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، لم يتوقف عن إبداء القلق إزاء هذه التقارير التي باتت وقائع دامغة مؤكدة علمياً ولا تقبل الدحض، وقد توصلت إليها بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. القلق ذاته كان عبر عنه مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، أفشله مندوب روسيا الاتحادية بعد أن حاول إفراغه من محتواه العملي عن طريق اقتراح بعثة تحقيق يشارك فيها النظام ذاته.
وفي تقريرها أمام مجلس الأمن الدولي مؤخراً قالت إيزومي ناكاميتسو، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والممثلة السامية لشؤون نزع السلاح، إنه «ما زال يتعين القيام بمزيد من العمل قبل أن نعتبر أن القرار 2118 قد طبق بالكامل، وقبل أن يثق المجتمع الدولي في القضاء الكامل على برنامج السلاح الكيميائي السوري». وكان هذا القرار، الذي صدر في سنة 2013، هو ذروة ما توصل إليه المجتمع الدولي في سياق ردع النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية.
ومنذ «الخط الأحمر» الشهير الذي اعتمده الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بصدد لجوء النظام السوري إلى هذا الطراز من الأسلحة المحرمة دولياً، ثم اعتمده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واصل النظام السوري الدوس على هذا الخط دون رادع. والضربة اليتيمة التي أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذها ضد مطار الشعيرات، بعد تقارير أكدت استخدام النظام السوري غاز السارين ضد بلدة خان شيخون في ريف إدلب وأوقعت 87 ضحية، بدت مجرد استعراض عضلات من جانب إدارة جديدة في البيت الأبيض. والدليل أن واشنطن تعود بدورها إلى الاكتفاء بإبداء القلق، وكذلك تفعل معظم العواصم الغربية، ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة.
إن انعدام التناسب بين عجز المجتمع الدولي عن تبني سياسة ردع عملية وفعالة، مقابل إصرار النظام على استخدام الأسلحة الكيميائية، صار أشبه بسباق بين ذئب كاسر وسلحفاة كسيحة، والضحية هي دائماً مدنيون أبرياء عزّل وأطفال بصفة خاصة، يفتقرون إلى أبسط طرائق الوقاية من الغازات السامة، ناهيك عن وسائل العلاج. وليس أقل خطورة من هذا أن يتحول استخدام النظام السوري غاز الكلور إلى أمر واقع يومي وروتيني، يتثاءب المجتمع الدولي كلما أتت على ذكره الأخبار.
القدس العربي