الاحزاب والائتلافات.. مصارحة الشعب اجدى
أُغلق باب تشكيل الائتلافات، وانضواء عشرات الاحزاب فيها.. وستنتهي قريباً فترة تقديم المرشحين.. عندها قد تستقر الائتلافات. فما هو المشهد الانتخابي قبل وبعد الانتخابات؟ وكيف ستفي القوى السياسية بوعودها في الاصلاح ومحاربة الفساد وتوفير الامن وغيرها من مطالبات عاهدت الشعب عليها؟ مما يتطلب المصارحة. فهناك عقدة اساسية ان لم تتصد القوى السياسية لحلها، فانها ستكرر تجاربها السابقة، وتقول كلاماً جميلاً، تعجز عن تنفيذه لاحقاً.
هناك شبه اجماع، بان المقاعد التي سيفوز فيها اقوى الائتلافات ستدور بحدود 10% من مقاعد البرلمان، اي 30-40 مقعداً.. لهذا يقتضي الامر بعد الانتخابات لاختيار الرئاسات وتشكيل الحكومة، اتفاق 5-6 ائتلافات على الاقل، للحصول على “الاغلبية البرلمانية” بعد تعذر الحصول على “الاغلبية الانتخابية”. عندها ستضطر ائتلافات تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة للجلوس والاتفاق على توزيع المواقع ومنهاج العهد الجديد، وهنا ستقع في سلسلة تناقضات.
1- ستخوض الائتلافات الانتخابات وفق عهود قطعتها على نفسها للناخبين، لكنها ستضطر بعد الانتخابات للدخول في مفاوضات جديدة مع قوى اخرى قطعت ايضاً وعوداً قد تختلف تماماً عما طرحته على ناخبيها.. مما سيعني عملياً اما تمسكها بمناهجها، او التخلي عنها لتصل للاتفاقات المنشودة. فإن سارت في الخيار الاول، فسيعبر سلوكها عن مجرد مداهنة، مما ينقل الصراعات الى اروقة مؤسسات الدولة فيعطلها كما حصل في المرات السابقة.. وان اختارت السلوك الثاني فانها تكون قد خانت وعودها للناخبين الذين منحوها حق تمثيلهم.
2- ان هدف دخول اية قوة سياسية في اية انتخابات هو أ) اما تشكيل حكومة تكون قادرة على تنفيذ منهاج يعكس مطاليبها امام الشعب، ب) او تشكيل قوة ضغط لتحقيق مطاليب جزئية، او مناطقية محددة. عدا ذلك لن يكون صراع المرشحين والقوى سوى الحصول على مواقع ووجاهات شخصية، ليس الا.
لذلك طالبنا مراراً وتكراراً -ولكي تكون منظوماتنا للقوى السياسية صادقة مع نفسها وشعبها- ان يتضمن قانون الاحزاب والانتخابات مسارات تدفع لتحقيق “اغلبية انتخابية” او ما يقاربها، تنتجها ابتداءا الانتخابات كقاعدة وهدف، وليس فقط عبر “الاغلبية البرلمانية” التي تتشكل بعد ظهور النتائج، الا استثناءاً. وان يكون هناك منهاج واضح، وان تعلن اسماء الرئاسات والعهد الجديد او أهمها، لكي يعرف الناخب لماذا ولمن ينتخب. ولظروف العراق الواقعية والتعددية طالبنا بأن الائتلافات لابد ان تكون عابرة للساحات، وان الانقسامات التي حصلت في الساحات قد تساعد على تحقيق هذا الامر. وخضنا نقاشات عديدة لاقناع اطراف مختلفة بالعمل على هذه الاتجاهات، كانت تصطدم بمنطق يقول باستحالة الامر قبل الانتخابات.. مما يشجع لترويج الاتهامات بان الانتخابات لن تعني سوى الركض وراء المقاعد: أ) لأن الاتفاق بعد الانتخابات، لن يعبر سوى عن صفقات ومحاصصات داخل الساحة الواحدة وبين الساحات، بعيداً عن ارادة الشعب وعلمه، وسيعيد انتاج الفشل والتعطيل والمظاهر السلبية الاخرى.. ب) ولأن الهدف هو تشكيل الحكومة، وهذه تتطلب الاغلبية المتفقة على منهاج موحد.. فاذا كان ذلك ممكناً بعد الانتخابات فانه يمكن الاتفاق قبلها، خصوصاً وان تقدير اوزان القوى بات اسهل بكثير من السابق، وان هناك اليات تتبعها الدول لتنظيم الائتلافات القادرة على الفوز بـ”الاغلبية الانتخابية” او ما يقاربها، والتي ستصبح ايضاً “الاغلبية البرلمانية”. ورغم الصعوبات، لكن تجاوزها اهون واسهل من اعطاء وعود وتوقيع اتفاقات لن تطبق.. وأهون من الفشل، وتكرار الفشل، الذي ستواجهه حكومة لم تحصل على “الاغلبية الانتخابية” او ما يقاربها، وفاقدة للانسجام عند تحقيقها “الاغلبية البرلمانية”، مما يخسرها مؤهلات النجاح في تحقيق اي من المناهج المطروحة. وهكذا سنستمر بتشجيع النزعات الفردية والطائفية والاثنية والمحاصصة والوعود الكاذبة والصفقات المريضة والتقاطعات المتبادلة، وهذه عقدة ان لم يتم تجاوزها فسيصعب الكلام عن اصلاحات ومحاربة فساد وتجاوز ازمات. فازمتنا الاساسية اليوم هي فشل الحكومات، والمطلوب مسارات وبناءات لحكومات شفافة، قوية وناجحة.
عادل عبد المهدي