الكابوس النووي
يبدو أن الحديث عن اقتراب الكارثة النووية، أو يوم القيامة النووية لم يعد مجرد تخمين أو تنجيم. صار جزءاً من واقع تترجمه الدول النووية على الأرض من خلال تطوير المزيد من الأسلحة النووية ونشرها والتهديد باستخدامها من دون أي قيد، في إطار صراع مجنون على النفوذ والزعامة الدولية.
المتابع للتطورات الدولية وكيفية إدارة الصراعات بين الدول الكبرى يجد أن هناك انفلاتاً غير مسبوق في إنتاج الأسلحة النووية وتحديثها، وجعلها في صلب، بل في مقدمة الاستراتيجيات العسكرية التي يقصد منها أن تكون سلاح القتال الأساسي في أي مواجهة مقبلة، وهو ما حذر منه كبار الخبراء النوويين في العالم، والعديد من الأكاديميين المتابعين لنشاط التسلح الذري في العالم. ولعل إعادة العلماء النوويين ضبط «ساعة يوم القيامة» إلى أقرب نقطة من ساعة الصفر منذ العام 1953، أي منذ بدء السباق النووي بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، تؤكد أن العالم أقرب إلى الكارثة بسبب مخاطر الأسلحة النووية.
هذه الساعة التي صممتها نشرة علماء الذرة ومقرها شيكاجو هي مؤشر لمدى هشاشة العالم في مواجهة أي حرب نووية قد تؤدي إلى إفناء البشرية، خصوصاً مع وجود نحو 15700 رأس نووي في العالم تمتلكها تسع دول، منها 4000 رأس جاهزة للاستخدام و1800 في وضع الاستعداد، وهي قادرة على تدمير الأرض عدة مرات في حال استخدامها.
الوضع العالمي مرعب فعلاً مع وجود هذا الحشد الهائل من الأسلحة النووية، ومع إصرار الدول الكبرى على تطويرها ووضعها قيد العمل في أية لحظة مع تزايد التهديد باستخدامها، خصوصاً في الآونة الأخيرة في ذروة الأزمة النووية الكورية الشمالية التي لا تزال تنذر بالخطر، والتهديد ب«الأزرار النووية» الكبيرة والصغيرة المتواجدة على المكاتب.
الإعلان الأمريكي مؤخراً عن نشر طائرات قادرة على حمل أسلحة نووية حول العالم، ورصد مبلغ 1.2 مليار دولار لتحديث السلاح النووي خلال السنوات الثلاثين المقبلة، وإعلان وزير الدفاع الأمريكي ماتيس مؤخراً خلال تقديم استراتيجية الدفاع عن «قوة عسكرية أمريكية لا تضاهى»، وعن تحدي روسيا والصين مصالح واقتصاد وقيم الولايات المتحدة واعتبارهما عدوين، كل ذلك يجعل المواجهة أقرب من أي وقت مضى، بدلاً من البحث عن شراكة عالمية لمواجهة ما يتهدد الكرة الأرضية من مخاطر متزايدة تتمثل بالإرهاب وتغير المناخ والفقر والمرض والجوع والصراعات الإقليمية التي تنذر بالتحول إلى مواجهات مباشرة بين الدول الكبرى المنخرطة فيها، كما هو الحال في سوريا وأوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية.
الكارثة النووية ليست مستبعدة في عالم تقوده إما رؤوس حامية، تتطلع إلى استبعاد الآخرين من منصة النظام العالمي وترى في نفسها القدرة على فرض مشيئتها على العالم، وإما رؤوس أخرى تسعى لإقامة عالم متعدد الأقطاب.
العالم يحتاج إلى عقلاء يبعدون الأزرار النووية عن أيادي المجانين.
نقلا عن الخليج