الحالة الكردية بين موقف ابناءها.. وموقف اشقاءها
الشعب الكردي هو واحد من الشعوب الاربعة الكبرى التي تسكن منطقتنا مع بقية شعوبنا، والمنتشر اليوم في منطقة جغرافية واسعة في تركيا وايران والعراق وسوريا.. والذي اختلط تاريخه بتاريخ بقية الشعوب.. وعاش نهضاتها وتراجعاتها.. ويقف اليوم، كبقية شعوب المنطقة، في مفترق طرق لمواجهة التحديات وتلبية متطلبات المستقبل. فحقق نجاحات وتعرض لهزائم وانتكاسات. وان اي حل يوضع لاوضاع ومستقبل شعوب المنطقة، دون تصور الحل المناسب للشريك الرابع، سيُبقي المنطقة ودولها مضطربة غير مستقرة.. واي حل يراه الكرد لانفسهم دون موضعته بشكل صحيح مع شعوب المنطقة، لن يكون بداية حلول بل بداية ازمات، سواء في اطار الدول او في اطار تشكيلات اقليمية جديدة تنفتح عليها.
1- المسألة بالاساس تتعلق بالهوية السياسية والاطار السياسي الذي يرتضيه الكرد وبقية الشعوب ايضاً، حيث يشعر الجميع حقاً وحقيقة انهم جزء طبيعي لا يتجزأ منه.. فـ”فارس” طرحت رؤية الشعوب الايرانية.. و”العراق” طرح الفيدرالية.. و”تركيا” تتأرجح بين القبضة الحديدية والحلول الديمقراطية والدستورية.. و”سوريا” تطورت المسألة فيها من اعتراف بحقوق بسيطة لم تمنح في وقتها، الى قضية فرضتها اوضاع الحرب، لتصبح مناطق شاسعة من شرق وشمال سوريا تحت سيطرة “ادارة ذاتية” كردية.
2- قضايا الهوية امور معقدة تختمر في النفوس لعوامل متعددة، ثم تنفجر في لحظة معينة، ما لم تعمل الاطراف على ارساءها على اسس ثابتة ومستدامة لدورات زمنية طويلة.. فهذه اوروبا التي قطعت شوطاً بعيداً في هذا المضمار، ما زالت تتفجر قضايا الهوية فيها بين اونة واخرى.. والاتحاد السوفياتي، الدولة العظمى، الذي سعى لحل هذه القضايا عبر جمهوريات كاملة في اطار “الاتحاد”، ولدى بعضها مقاعد في الامم المتحدة، تفجرت وتفككت في مقطع تاريخي محدد.. خصوصاً واننا لم نعد قارات منعزلة، او مجرد دول متجاورة، بل في عالم تتداخل مصالحه. فهناك ضغوطات نحو الوحدة والتعاون والعيش المشترك، تقابلها ضغوطات نحو الصراع والتفكك.
3- تتراوح الحلول نظرياً بين فكرة الدولة المستقلة، والتي حصلت محاولات تاريخية فيها، وكان اخرها مشروع الاستفتاء في ايلول 2017 وحصول ما يعرفه الجميع.. وبين اشكال تبدأ بالكونفدرالية والفيدرالية والحكم الذاتي واللامركزية والحقوق الثقافية والسياسية وصولاً الى انكار حقوق الاخر بالمطلق.
4- اذا فكر البعض ان انكار حقوق الاخرين ممكن، فهناك طريقان.. 1) القمع والحروب، وقد جُربت هذه الحلول ولم تنجح ولن تنجح.. او 2) إنكار كل شيء لاي من الاطراف، كأن ينكر العرب عروبتهم، والاتراك تركيتهم، والفرس فارسيتهم، ليتساوى الجميع بدون هويات وعناوين، وهذا طريق يخالف المقومات الحقيقية المطروحة.
5- من المهم جداً تعريف ما يُرفض وحدود ما يُقبل، وهذا امر يخص الجميع. والاكراد –مثلاً- عندما فعلوا ذلك تقدمت مكاسبهم، كما في “جبهة الاتحاد الوطني” و”الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان”، واعداد الدستور والفيدرالية.. لكن عندما تسيطر لغة التعميم وأحادية المطالب والرؤى والمواقف وصلوا الى طريق مسدود، كما حصل مؤخراً. وان تعريف ما يُرفض ويُقبل من كل الاطراف يتعلق بمشاريع حقيقية قابلة للتطبيق، وليس مجرد الكلام والتفكير ببعد واحد، ومطالب او خرائط يضعها طرف واحد لنفسه، دون مقومات حقيقية تسندها.
6- لا يكفي ان تأتي الحلول من العواصم فقط.. فلقد علمتنا تجاربنا جميعاً الممكن والمستحيل في الظروف المحددة.. فصار علينا تجاوز افكار وثقافات ومفاهيم العشرينات والخمسينات والسبعينات والالفية الثانية التي فقدت الكثير من فاعليتها.. كما فقدت الكثير من فاعليتها سياسات الصراعات الاقليمية او الاعتماد على قوى خارجية لاي مشروع من مشاريع الهوية بعد انهيار الاستعمار وتراجع ادوار الدول العظمى في شؤون البلدان. ففي العراق مثلاً لابد للحلول ان تنعقد في بغداد والانبار والموصل والبصرة، وكذلك في اربيل والسليمانية وكركوك وغيرها.. حلول تستجيب للمتطلبات المشروعة للشعب العراقي بكل تلاوينه.. وكذلك تستجيب للمتطلبات المشروعة لعواصم وشعوب بلدان المنطقة الاخرى.
عادل عبد المهدي