معارك “عفرين” السورية مصغر لصراعات المنطقة
التدخل التركي في”عفرين” صفحة في معركة قد تكون مقدمة لصراع اوسع، او لتسويات بابعاد مناطقية واقليمية ودولية. فهناك حقوق يدافع عنها كل طرف، ومطامح مشروعة او غير مشروعة ملازمة لهذه الحقوق لمختلف الاطراف.
والاطراف المباشرة هي: 1) تركيا وجيشها القوي، ترافقه مجاميع عملت تحت راية “الجيش الحر” وتفرقت بعد المعارك ووقف الدعم الخارجي، وهي جماعات “سلفية” و”اخوانية” سورية واوزبكستانية وتركمانية ومنها “لواء السلطان مراد” و”فرقة الحمزة” و”فيلق الشام” و”حركة نور الدين الزنكي”، الخ.. 2) وحدات “حماية الشعب” الكردية، التي حظيت بدعم امريكي واسع وحققت مكاسب مهمة في حربها ضد “داعش” و”النصرة” والتي تسيطر على منطقة “عفرين” و”منبج” وغيرهما.. 3) الحكومة السورية التي ما زالت قواتها بعيدة عن ميدان المعركة لكنها قد تدخل فيه مع تطورات المعارك. يضاف الى ذلك قوى “داعش” وحلفائها الحاضرة بقواها، والمتداخلة مع قوى اخرى لدى هذا الطرف او ذاك. وستتوزع مواقف القوى الاقليمية بين هذه القوى الثلاث. اما القوى الدولية، فيمكن القول ان روسيا تلعب دوراً محورياً بسبب علاقاتها بالاطراف الثلاثة. لهذا يرد مع بعض الدلائل، انها اعطت ضوءاً اخضراً لتركيا، مقابل ترك ادلب لروسيا والحكومة السورية. اما الموقف الامريكي فهو على المحك بعد دعم ميداني “لوحدات حماية الشعب” ومشروع تأسيس قوة محلية عسكرية عارضتها الحكومة السورية وروسيا وتركيا، وبين الاقرار بحق تركيا بحماية حدودها، وعدم تصعيد الخلافات معها. ويبقى موقف الدول الاوروبية خائفاً من نتائج الصراع وتأثيراته عليها، رغم طموحاتها، خصوصاً فرنسا التي تعتبر نفسها راعياً تاريخياً لهذه المناطق.
من حق وواجب 1) الحكومة السورية الدفاع عن وحدة البلاد وحدودها وامنها. فهي، ومهما كانت المعارك على الارض ونتائج “جنيف” و”الاستانا” و”شوتسي”، ستبقى الطرف الاساس الذي سيتعامل مع جاره الشمالي سلماً او حرباً.. وكذلك الطرف الاساس الذي سيحتاجه الاكراد لمواجهة التقدم التركي. ولا ندري صحة الاخبار عن اتصالات بين انقرة ودمشق.. بالمقابل ما ان بدأ الهجوم الا وصدر الخميس الماضي بيان من “الادارة الذاتية” الكردية يؤكد “ان منطقة عفرين جزء لا يتجزأ من سوريا”.. مطالبين الحكومة “للقيام بواجباتها السيادية اتجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا من هجمات المحتل التركي”.. وهكذا قد ترى الحكومة السورية في هذه المعارك اضعافاً لدور تركيا من جهة والمعارضة السورية والقوات الكردية من جهة اخرى مما سيساعد مواقفها الميدانية والسياسية على حد سواء. كذلك ستدافع 2) “وحدات الحماية الكردية” عن مكاسبها التي حققتها خلال السنوات الماضية ووقوفها بين المعارضة والنظام، والتي حولتها من لاعب ثانوي في الخارطة السياسية/العسكرية السورية الى لاعب اساس فيها.. وأيضاً ستعمل 3) تركيا على حماية امن حدودها، خصوصاً مع التطورات التي شهدتها المعارك في سوريا لمصلحة النظام وضد الارهاب، حيث تنقل مواقع رسمية للجيش التركي ان 71 شخصاً قد القي القبض عليه وهم متجهين الى سوريا، مقابل اعتقال 8474 اخرين عبروا من سوريا الى تركيا، في كانون الاول الماضي فقط.. ناهيك عن اتهامها “وحدات الحماية” بالارتباط بـPKK، رغم نفي “الوحدات” الاتهامات.. فيصرح الرئيس “اوردغان” الذي شوهد باللباس العسكري للمرة الاولى، بانه بعد ان ينتهي من “عفرين” و”منبج” سيتجه الى شمال العراق حيث تواجد PKK.. وان التقارير الداخلية التركية تشير ان موقفه هذا يحظى بدعم القوى الوطنية التركية.
فيدافع كل طرف ما يراه حقوقه.. وغالباً ما يساعد الاقرار بالحقوق والوحدة ضد الارهاب، في الدفع باتجاه التسويات التي محورها وحدة سوريا وسيادتها، واقرار حقوق جميع المواطنين والجماعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.. لكن بجانب الحقوق او خارجها تبرز الطموحات والغرور والانحرافات التي تقود للحروب والازمات. فهل ستكبح المصالح والاهداف المشتركة، وتعريف حقوق كل طرف ابواب الطموحات غير المشروعة ليقف كل طرف عند حدوده، ام ستحمس الأوهام والنجاحات الجزئية والهيجانات الوطنية لفتح دورات جديدة من العنف والاقتتال.
عادل عبد المهدي