اراء و أفكـار

محاولات عراقية شاقة لإنهاء فوضى العقود النفطية

أصدرت الحكومة العراقية أمس إشارات إلى أنها تسعى لتصفية التركة الثقيلة والفوضى الشاملة في صناعتها النفطية التي تمثل شريان الحياة الوحيد في ظل شلل جميع مظاهر النشاط الاقتصادي الأخرى.

وأرسلت إشارة تحذير إلى الشركات التي لا تزال تنعم بالمزايا غير المسبوقة التي أغدقتها عليها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على حساب مصالح البلاد.

وجاءت تلك الرسائل في عقد أولي جديد مع شركة جينهوا الصينية لتطوير حقل شرق بغداد، يتضمن خارطة شاملة لبناء مدينة سكنية بجميع المرافق الصحية والتعليمية والخدمية ويضع سقفا مرتفعا لتشغيل العمالة المحلية، رغم أن الحقل صغير جدا مقارنة بالحقول الأخرى في جنوب العراق.

وحذرت بغداد شركة أكسون موبيل التي ترتبط معها بعقد لتطوير عدد من أكبر حقول البلاد، من أنها ستعرض المشروع العملاق على شركات أخرى بحلول فبراير المقبل إذا واصلت مماطلتها.

ويبدو أن أكسون، وشركات غربية أخرى، تحاول التمسك بالمزايا المجحفة وتحاول التهرب من محاولات بغداد وضع التزامات واضحة بشأن مد خطوط أنابيب نفطية وبناء منشآت تخزين ومشروعا لضخ مياه من الخليج في المكامن لتحسين الإنتاج.

وتحاول بغداد منذ انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014 إلى مراجعة العقود التي تمنح الشركات الأجنبية معظم عوائد صادرات النفط ولا تلزمها بتشغيل السكان المحليين وتطوير البنية التحتية.

وأدت تلك المعادلة إلى احتجاجات واسعة بين السكان المحليين الذين يطالبون بالوظائف، وأدت أحيانا إلى مهاجمة الشركات الأجنبية.

وقد عالج عقد الشركة الصينية تلك المشكلة بإلزامها بالاعتماد على الأيدي العاملة الوطنية بنسبة 50 بالمئة في البداية على أن ترتفع تدريجيا لتصل إلى 80 بالمئة، وهو ما يمكن أن يخلق بيئة عمل ملائمة في المحيط المحلي إلى جانب مشاريع التنمية التي تضمنها العقد.

وقد تكون ضغوط بغداد لإعادة التفاوض أحد أسباب انسحاب بعض الشركات من بعض العقود مثل تسليم شركة رويال داتش شل لحقل مجنون العملاق للحكومة العراقية.

بل إن الحكومة العراقية ألمحت بعد قرار انسحاب شل إلى أنها ستدير حقل مجنون بكوادرها المحلية، مثلما كانت بغداد تدير جميع ثرواتها النفطية قبل الغزو الأميركي في عام 2003.

ويقول محللون إن فرص الفساد الكبيرة دفعت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ذلك الحين لتسليم إدارة جميع الحقول النفطية للشركات الأجنبية وبمزايا مجحفة للحصول على عمولات للسياسيين الفاسدين.

وقد أدى ذلك إلى تفتيت بنية الكفاءات العراقية القادرة على إدارة الصناعة النفطية، لتوزع المحاصصة الطائفية المناصب والمسؤوليات لشخصيات غير كفوءة نشرت الفوضى في مفاصل هذه الصناعة.

ويلاحظ المراقب في الأشهر الأخيرة ميلا واضحا من قبل بغداد نحو الشركات الصينية والروسية التي تبدو أكثر استعدادا لتقديم عروض تتضمن تطوير البنية التحتية وشروطا أقل وطأة على الحكومة العراقية.

ومن غير المستبعد مع تحسن إدارة صناعة النفط وعودة الكفاءات العراقية إلى مفاصل الوزارة أن تعود بغداد إلى تشغيل بعض الحقول بكفاءات وطنية مع الاعتماد جزئيا على عقود الخدمة التي تقدمها شركات صينية وروسية.

ويبدو ذلك مرجحا إذا قطعت الحكومة شوطا في محاربة الفساد وإقصاء المحاصصة في توزيع الوظائف، حيث سيسمح ذلك بتحسن كفاءة إدارة المؤسسات التابعة لوزارة النفط والعودة إلى الكوادر المحلية التي أدارت القطاع بكفاءة عالية منذ تأميم النفط في عام 1972 وحتى عام 2003.

سلام سرحان – العرب اللندنيه

مقالات ذات صلة