القدس.. تهافت المنطق “الترامبي” (1)
امريكا دولة جبارة وعظيمة تجتمع فيها جنسيات وقوميات وديانات واجناس العالم كافة. دولة قدمت انجازات كبرى للبشرية علمياً وكونياً وادارياً وانتاجا وتنظيماً، وهذه حقيقة يجب رؤيتها كما يجب رؤية حقيقة الانحرافات والمظالم والفضائع، كاصطياد الافارقة واسرهم عبيداً، التي تذكر دراسات انها كلفت حياة اكثر من 100 مليون انسان اثناء المطاردة والنقل، ناهيك عن ضحايا النظام العبودي والتمييز العنصري المطبق لفترة متأخرة من القرن العشرين.. او استخدامها القنابل الذرية في “هيروشيما” و”ناجازاكي”، او حروبها في كوريا وفيتنام وايران وافغانستان والشرق الاوسط، او دعمها لاسرائيل وغيرها. فامريكا شأنها شأن كل الامم والشعوب الاخرى جزء من حركة البشرية، ترتكب اثناء مسيرتها الكثير من الظلم واعمال الابادة، كما تقدم الكثير من المنجزات والتضحيات.
فعندما يقول الرئيس الامريكي “امريكا اولاً” فهذا حق يدافع فيه –مصيباً او مخطئاً- عن مصالح شعبه، كما يقول اي شعب “بلدنا اولاً”. لكن عندما تفهم “الترامبية” ان “امريكا اولاً” يجب ان تكون على حساب الاخرين وحقوقهم، وعندما يطلب من سفيرته “هيلي” اسماء المعارضين لقرار جائر حول القدس، وعندما يهدد بقطع “المساعدات” والانتقام، فانه في الحقيقة لن يعاقب الاخرين اساساً، بل سيعاقب نفسه وشعبه ايضاً. وسيدمر بنفسه اسس النظام العالمي المصمم لخدمة “امريكا اولاً”، وسينتهك قرارات الامم المتحدة و”الشرعية الدولية” التي طالما غطت الدولة العظمى بها حروبها وعقوباتها وسياساتها العالمية. وبهذا كله لن تؤيده سوى “اسرائيل” ودول صغيرة لا تتجاوز اصابع اليدين، ودون اية قدرة على ايقاف مجرى التاريخ.
ان قرار الجمعية العامة الاخير برفض اي تلاعب بوضع القدس الشريف، ياتي بعد فشل قرار مجلس الامن بسبب الفيتو الامريكي والذي صوت له بقية الاعضاء الـ14 وبضمنهم بريطانيا وفرنسا.. فعناد “الترامبية” سيهز العالم باتجاه معاكس تماماً، بل سيهز امريكا من الداخل، ويمثل خط انحدار متزايد لموقع ودور الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.
في 1947 عندما انتهى الانتداب البريطاني لفلسطين أحيل الامر للجمعية العامة. فاتخذت قرارها (181) بتقسيم فلسطين. واعطت لليهود 57.7% من الارض و42,3% للفلسطينيين، ووضعت القدس وبيت لحم والاراضي المجاورة تحت الوصاية الدولية. صوت يومها 33 لصالح القرار و13 معترضاً و10 ممتنعين وغابت تايلاند. فكانت نسبة المؤيدين للموقف الامريكي/الاسرائيلي 58.92% من مجموع المصوتين، وبضمنهم الاتحاد السوفياتي وفرنسا.. و23.21% من الرافضين للتقسيم كلهم من الدول العربية والاسلامية عدا الهند واليونان وكوبا.. اما الدول الممتنعة فقسم من دول امريكا اللاتينية والصين واثيوبيا ويوغسلافيا وبريطانيا.
اليوم بعد 70 عاماً من الاحتلال والاستيطان والحروب والعنف والاموال والخيانات وسياسات الشيطنة، تقف معظم الدول وكبرياتها ضد “الترامبية”، فتصوت 128 دولة لمصلحة فلسطين.. ولا تعارض سوى المندوبة الامريكية واسرائيل، وغواتيمالا، والهندوراس، وجزر مارشال، وميكرونيسيا، ونارو، وبالو، وتوغو، اي ما يمثل 5.29% من المصوتين، لتقف 75.29% ضد “ترامب” الجائر، ولتمتنع عن التصويت 33 دولة بسبب الضغوطات والتهديدات والمهازل والفضائح التي مورست اي 19.41%، وهو ما وصفته شخصيات مرموقة وكبريات وسائل الاعلام الامريكية والاسرائيلية بالهزيمة العظمى.
حالات الانفعال والعصبية، نتيجة السياسات الخاطئة كشفت الضعف والعزلة. فالامم المتحدة مصدر الشرعية الدولية عندما تؤسس لاسرائيل، لكنها الان مجرد “دمية” حسب تصريح المندوب الاسرائيلي، او انها “لامسؤولة” حسب تعبير المندوبة الامريكية السيدة “هيلي”. والتوجهات ليست افضل داخلياً.. تقول الـ”سي ان ان” ان استطلاعاً للرأي اجرته جامعة “ميريلاند” تعارض ادعاءات السيدة “هيلي” بان قرار “ترامب” ياتي تعبيراً عن ارادة الشعب الامريكي.. فـ63% من الامريكيين يعارضون خطوة نقل السفارة وبضمنهم 44% من الجمهوريين، وان نسبة الخطأ هي 2.19%.. وأظهر استبيان اخر في 13 كانون الاول اجرته جامعة مونماوت ان 39% يعارضون قرار ترامب، بينما ايده 23%، وبيّن 51% انه سيقود الى عدم استقرار متزايد في المنطقة. وعيد ميلاد سعيد من القدس وبيت لحم والعراق وللعالم اجمع (للكلام صلة)
عادل عبد المهدي