كردستان.. الحلول باتت ضرورة
كانت المبادرة قبل الاستفتاء بيد اربيل، واصبحت بيد بغداد، بعد استعادتها السيطرة على المناطق المتنازع عليها، او معظمها.. والمنافذ الحدودية والجوية، والنفط او على الاقل في معظمه.
وقف الجميع –او الاغلبية الساحقة- بما في ذلك اقرب اصدقاء الكرد ضد قرار الاستفتاء. وجاءت الاحداث لتبرهن ان ذلك لم يكن تعصباً او تهديداً او مشاكسة، بل كان موقفاً ناصحاً وصديقاً وحريصاً على مصلحة العراق ومنهم الكرد، وإلا ما انهارت بهذه السرعة والانسيابية البناءات التي اريد ان يؤسس عليها متطلبات ما بعد الاستفتاء. لهذا نقول بان المبادرة باتت بيد الحكومة الاتحادية لانها استعادت ما كان مختلفاً عليه، وان المطلوب الان تسوية المواقف، وفق الدستور بعد اقرار الجميع بذلك، وعدم ترك تداعياتها تتفاعل بعيداً عن السيطرة. فرغم مرور شهرين فان حوراً جدياً لم يبدأ، بل لم نشهد اجراءات عملية لتسوية قضايا حساسة. فحكومة الاقليم تستخدم لغة مموهة لقبول قرار المحكمة الاتحادية، وبغداد تطالب بكلمات لا لبس فيها. وما نخشاه هو ان المشكلة قد لا تكون اللغة بل النوايا. ونخشى ان نعيد بذلك -بدون ان نعيه- تجربة القرن الماضي، عندما كانت بغداد تفاوض وهي تقصد فعلاً كسر شوكة الكرد، وكان الكرد يفاوضون وعيونهم على الحرب. فاستمرار مثل هذا الوضع هو البيئة الافضل لنمو اشكال معقدة ومتصاعدة من الخلافات، مما يضعف العراق وكردستان، كما اضعفهما في الماضي.
هناك اصوات لامسؤولة في كردستان تفكر باعمال لاقانونية وعدوانية وانتقامية.. وبعرقلة العملية السياسية، وابقاء الاوضاع في العراق قلقة، وهذا ان صح فهو توجه خاطىء وخطير يسعى لفرض نفسه على القرار الكردي. بالمقابل هناك اصوات لامسؤولة في بغداد تفكر باستثمار حالة الانكسار الكردي، وتفكر بتعقيد المشهد واستخدام مفاهيم وتعابير هي من مخلفات النظام السابق، وتسعى لفرض نفسها على القرار الحكومي.
ليس من الصحيح تسقيط البيشمركة وهم الذين قدموا الشهداء سواء لمحاربة النظام الدكتاتوري او “داعش”.. وليس من الصحيح تسقيط “الحشد الشعبي” وهو الذي يشكل امتداداً للقوى التي اسقطت النظام الدكتاتوري وحاربت “داعش” وقدمت التضحيات لتحقيق ذلك. ليس من الصحيح زعزعة تمثيلية حكومة الاقليم، إلا بموجب السياقات الديمقراطية التي تعكس رغبات سكان الاقليم، وذلك بغض النظر عن الملاحظات والخلافات.. فبغداد بحاجة لتمثيلية قوية لكي تصل لحلول مقبولة معها. كذلك ليس من الصحيح التشكيك –خارج الممارسة الديمقراطية- بتمثيلية الحكومة الاتحادية، مهما كانت الملاحظات والخلافات حول هذه الكلمة او ذلك الموقف، فالبلاد بحاجة لمركز قرار موحد وقوي يستطيع تقديم الحلول.
من هنا نرى اهمية انضاج الرؤى الاصولية لحل سلسلة من الاشكالات بالحوار، وإن تأخر فبقرارات اتحادية تعكس تماماً الروح الرعوية للدولة. فالحكومة هي لكل العراقيين وليس محوراً من المحاور. وعدا القضايا التأسيسية كالمنافذ والنفط والمناطق المتنازع عليها، الخ، فان هناك اشكالات مباشرة تتعلق بحياة المواطنين كالرواتب والنازحين والقضايا اليومية والحياتية للمواطنين الذين يجب ان يشعروا ان دولتهم ترعاهم تحت كل الظروف.. ولا تحملهم اخطاء السياسات والمواقف اللامسؤولة، خارج الدستور وتطبيقاته القانونية.
فبغداد بحاجة الى الاقليم بقدر حاجة الاقليم لبغداد.. فالانتخابات التشريعية تقترب.. ويجب اقرار الموازنة.. ولابد من حل قضايا المطارات والمنافذ والنفط وكل ما يتعلق بمجريات الحياة اليومية للمواطنين، ناهيك عن امور كثيرة اخرى.. والا سنتصرف كمن يرفض وجهاً للتقسيم ليبرز وجهاً اخراً له. لابد من الوصول لحلول وخطوات وحدوية ودستورية.. وان تأخر المبادرة والحلول، سيعيدنا سنوات للوراء.
عندما كان اقرار قانون النفط وتوزيع الموارد المالية وتأسيس مجلس الاتحاد وحسم قضايا المناطق المتنازع عليها وغيرها، من المتطلبات التأسيسية.. وعندما تسبب التسويف والعناد والمواقف التي ترى ما لها، ولا ترى ما عليها في منع السياقات الدستورية، وقامت موازين القوى القلقة والحلول القسرية والاحادية بملأها، فاننا –جميعاً- انتجنا التأزيم والتصعيد، ونخشى ان يتكرر المشهد ثانية.
عادل عبد المهدي