مارد بلا ساقين
عندما يتمرجل «جيش» على رجل «مُقعد» فهو «جيش» مهزوم، وعندما تخاف «دولة» من رجل يسير على كرسي متحرك ومن طفل يحمل حجراً فهي «دولة» لن تدوم.
إبراهيم أبو ثريا الذي كان فقد ساقيه خلال العدوان على غزة العام 2012، لم يفقد العزيمة والإرادة، لم يترك مواجهة مع العدو على الحدود إلا وكان يتقدم الصفوف يرمي الحجارة، أو يحمل على الأكتاف يردد هتاف «باب الأقصى من حديد لا يفتحه إلا الشهيد».
مضى إبراهيم يوم الجمعة في «يوم الغضب» من أجل الأقصى إلى أقرب نقطة في مواجهة جيش الاحتلال على حدود القطاع، وهو يدفع كرسيه ليرمي حجراً، وكان الرد رصاصة من قناص في رأسه، وخرّ شهيداً مضرجاً بدمه وهو يواصل الهتاف للأقصى حتى النفس الأخير.
هذا ليس جيشاً، إنه حثالة قطاع طرق من بقايا عصابات «الهاغانا» و«شتيرن» و«الأرغون» و«ليحيا» التي ارتكبت المجازر وقتلت وأحرقت ودمرت وهجّرت لإقامة «دويلة» مسخ على أرض لها أصحابها، سقوها عرقاً ودماً ودموعاً منذ الأزل، ولن يتنازلوا عنها حتى الأبد.
أما إبراهيم أبو ثريا، فهو ليس مقعداً.. صحيح أنه فقد ساقيه، لكنه مارد طويل، هامته تطال الثريا وأصابعه تلامس عين الشمس وهو يرمي حجراً ليرسم على وجه الكون خريطة فلسطين، ويقول للعالم: إن شعباً بشيبه وشبانه ونسائه وأطفاله يصارع الباطل بالحجر والمقلاع والسكين، ويرمي جنود الاحتلال ودباباته، واقفاً أو قاعداً، فهو شعب لن يهزم طال الزمان أو قصر.
إبراهيم أبو ثريا، والطفل ابن الست سنوات، آدم أحمد مصاروة وغيرهم من الأطفال الذين وقعوا في يد جلاوزة الاحتلال وتعرضوا للتنكيل والتعذيب في مشاهد حية نقلتها الشاشات ورآها العالم، هي شهادات تحكي حقيقة هذه الـ«إسرائيل» العنصرية الإرهابية المارقة الخارجة على النواميس الأخلاقية والقوانين الدولية، التي تستبيح الإنسان وأرضه وكرامته… هي «إسرائيل» التي يريدون من الفلسطينيين والعرب القبول بها والتعايش معها.
كيف يمكن التعايش مع هكذا «دويلة» مصطنعة ديدنها الإرهاب والدم والقتل، وهي مجموعة من شذاذ الآفاق تم استيرادهم من أربعة رياح الأرض إلى أرضنا في غفلة من الزمن، وفي أقذر مؤامرة ارتكبها الغرب بحقنا.
واهمٌ من يعتقد أنه يمكن تطويع الشعب الفلسطيني وتركيعه، وواهم أكثر من يعتقد أن هذا الشعب يمكن أن يتنازل عن حبة تراب من أرضه. فمن ناضل وصمد وقاتل وقدم ألوف الشهداء طوال أكثر من قرن ولم يستسلم، فهو لن يستسلم لا الآن ولا غدا.
إبراهيم أبو ثريا هو الشهيد المارد بلا ساقين، علّم العالم كيف يكون الرجال وتكون القضية، فإذا قطعت الأرجل تبقى الأيدي، وإذا قطعت الأيدي يبقى الإيمان والعزيمة والصمود.
نقلا عن “الخليج”