اراء و أفكـار

نهاية الرقص مع الأفاعي الإيرانية

المد الإيراني ينحسر باطراد، والعواصم المتخفية تحت جلباب المرشد بدأت تنتفض الواحدة تلو الأخرى، انطلاقا من صنعاء مرورا ببيروت وليس انتهاء بعواصم أخرى ستتداعى ضد منطق الطائفية ومنطوق الميليشيات.
باغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في العاصمة صنعاء تكون الأزمة اليمنية قد دخلت منعرجا خطيرا واستعصاء كبيرا يصعب حله أو جسر هوته السحيقة.

لم يكن يعرف علي عبدالله صالح أن الرقص على رؤوس الأفاعي في اليمن قد يفضي إلى جرحه وقضمه عندما تكون الأخيرة مروّضة، ولكنها في بعض الأحيان قد تذهب بحياته في حال كانت أذناب الثعابين مشدودة في طهران ورؤوسها السامة في صنعاء وباقي العواصم العربيّة.

المفارقة أن علي عبدالله صالح، الذي فرض الوحدة بالحديد والنار في 1990 وأخمد التحرك الانفصالي الجنوبي في 1994، وجمع بين المتناقضات السياسية من أحزاب وقبائل وعشائر، ووطّن نفسه كرئيس عصري لدولة استعصت عن التحديث السياسي، تحالف في آخر مراحل حياته مع ميليشيات تكتنف السوءتين معا، الطائفية الانفصالية والمذهبية العسكرية.

كان التحالف “المؤتمري الحوثي” مكيافيليا بامتياز، من خلاله عاد علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم دون حكومة، وعبره أخفى الحوثيون وجههم الوظيفي لإيران عبر تقديم واجهة التشاركية الوطنيّة.

وبين الوجه والواجهة، كانت الوجهة دقيقة وواضحة: تسليم صنعاء ومن بعدها اليمن برمته إلى إيران، وهو ما عبّر عنه قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في أكثر من تصريح إعلامي وسياسي، حيث اعتبر أن بلاده باتت تسيطر على أربع عواصم عربية تقع صنعاء على رأسها.

تؤكّد مصادر سياسية يمنية قريبة من البيت المؤتمري أن استدارة علي عبدالله صالح إلى محور الرياض – أبوظبي بعد ثلاث سنوات من التحالف مع الحوثي، أحد أسبابها الرئيسة اتخاذ الحرب اليمنية بعدا إقليميا أوسع من اليمن جغرافيا واستراتيجيا لا سيما وأن الصواريخ الباليستية التي ضربت مدنا سعودية كبرى تجاوزت حدود سرديات الدفاع عن المظلومية الشعبية، لتبلغ سياقات المكاسرة الإيرانية للسعودية بشكل فاضح وصارخ.

إلا أنّ المحفز الأسرع، كان متمثلا في التقارب الذي حصل بين الحوثي من جهة، وحزب الإصلاح الإخواني من جهة ثانية، تأسيسا على الأزمة الخليجية التي فرضت تقاربا بين أدوات إيران وحلفاء قطر وتركيا في أكثر من مشهد في الشرق الأوسط وعلى رأسها الجغرافيا اليمنيّة.

في الصميم، استبق صالح انقلاب الحوثي بانقلاب عليه، فما كان من الأخير سوى استخدام ورقة الاغتيالات السياسية في وضح النهار وأمام مرأى العالم برمته وتحت تكبيرات طائفية مقيتة وباحتفاء سمج من القيادات السياسية للحوثي، تؤكّد سقوط كافة المحاذير وانجراف كافة المحظورات الأخلاقية والقانونية في حروب الميليشيات القذرة.

وفي مشهدية الرقص الجماعي على جثث الشهداء والقتلى، تتداعى على الذاكرة العربية الجمعاء مشهدية التشفي الطائفي عند إعدام الرئيس الراحل صدام حسين في عراق الميليشيات، وصورة شبقية الدماء المستحكمة ضدّ رموز النظام السابق في ليبيا الترهيب والتهريب، وبينهما اغتيال للفضاء السياسي وللعقل السياسي العربي على أيادي حملة المسدس تحت أسماء المقدس.

يخطئ عبدالملك الحوثي حين يعتبر اغتيال صالح إنهاء للمشروع الفتنوي في اليمن، ذلك أن تصفية الخصوم السياسيين على طريقة المافيات وتجار المخدرات، ستمنع أي فرصة للتقارب الحقيقي بين الحوثي والجماعات السياسية الأخرى التي لن تنظر إلى التحالف مع جماعة الحوثي إلا بمنظوريْ الانصهار أو الحرب المفتوحة، وفي الحالتين انتحار واندحار سياسي.

ولئن كان الحوثي يعتبر أن التصفية تمثل مسلكية لإقرار السلم والأمن والاستقرار في الأوطان، فإنّها في الحقيقة خلعت باب الاقتتال والاحتراب أمام اليمنيين وأوصدت كافة أبواب السلم والتسويات.

وضعت دماء الرئيس صالح المشهدية اليمنية برمتها في مقابل الفعل الميليشوي لتعلن بداية الحرب السابعة بين الدولة اليمنية بهواها وهويّتها السياسية والثقافية والدستورية وجماعة الحوثي.

في اليمن، سيحارب الحوثيون في صنعاء دفاعا عن معاقلهم في صعدة، فالحوثيون أقل قوّة من حكم عاصمة ودون قدرة على إدارة سلطة وأضعف من مجابهة غضب القبائل اليمنية الهادرة بعد تصفية صالح وثلة من صحبه.

أما في الإقليم، فالمد الإيراني ينحسر باطراد، والعواصم المتخفية تحت جلباب المرشد بدأت تنتفض الواحدة تلو الأخرى، انطلاقا من صنعاء مرورا ببيروت وليس انتهاء بعواصم أخرى ستتداعى ضدّ منطق الطائفية ومنطوق الميليشيات ومنطلقات عسكرة المذهبيات.

كاتب ومحلل سياسي تونسي

أمين بن مسعود

“العرب”

مقالات ذات صلة