اراء و أفكـار

الزبائن والمواطنون.. عناصر تنمية وتطور

يقال سوق بائعين، وسوق مشترين.. فالاول يفرض شروطه، فيكون الطرف الاقوى والاقرب للاحتكار، غير مبال بنوعية الخدمة والسلعة والعمل واسعارها، على حساب المشترين والمواطنين.. اما الثاني، فيفترض منافسة حقيقية، ودفع البائع لارضاء زبائنه، خدمة وسعراً ونوعية.
اسواق العراق، (مع استثناءات)، اسواق بائعين لسببين اساسيين:

1- الدولة، بالعنوان الكبير رجل اعمال محتكر، للخدمات والسلع والاعمال، ولديها الثروات والامكانيات والمصالح.. فخدمات الدولة وسلعها لا منافس لها، وليس امام المواطن او الزبون سوى القبول بها، حتى وان كانت رديئة النوعية وسيئة الخدمة وعالية الكلفة.. وهو ما يفتح ابواب الفساد والرشاوى والوساطات والاستغلال والتحكم. فالدولة وجهازها، اقوى من المجتمع والمواطنين..

2- اما الاسواق الخاصة، كاسواق السلع والخدمات والعمل ورؤوس الاموال، فانها اسواق ضعيفة، حبالها السرية تغذيها من امها الاقتصاد الريعي للدولة. فهي تفتقد مستلزمات وشروط عملها الصحيح، ولا تتوفر لها المستلزمات الكاملة والاستقلالية والهيكلة والتقاليد والنقابية والمهنية لما ينطبق عليه عنوان السوق اقتصادياً.
السوق اقتصادياً هو مكان تلاقي العرض والطلب. فعندما يكون العرض، متفرداً وفاقداً لمواصفاته وشروطه وضوابطه كما هو في حالة الدولة المحتكرة، فان نتائج المعادلة مشوشة ومتدنية وفاقدة معانيها الاقتصادية. فهناك خلل في جانب العرض، وسيقابله خلل مواز في جانب الطلب، مما سيحول معنى السوق الى مجرد حوانيت وبقاليات، بشروط احادية لجانب واحد. لذلك ستسيطر على الاسواق بمختلف اشكالها، وبقطاعيها العام والخاص، شبكات بيروقراطية اقرب للاحتكار والاستعلاء والتعسف ورداءة السلعة والخدمة. فجانب الطلب الذي يمثله الزبون او المواطن ضعيف ومستضعف مما يعطل عملية التطور والتنمية في البلاد.
تستطيع السلطات لتحقيق الاصلاح، ويستطيع الشعب ان طلب التنمية والتقدم قلب هذه المعادلات. فاذا تركنا جانب الدولة كطرف يُفترض انه مبادر، واخذنا جانب المواطنين وهو في ظرفه الراهن طرف متلقي، فواجبه استعادة المبادرة، لتغيير المسارات. ليس بالسلاح والعنف والتصادم، بل بقلب المعادلة. وان يلعب المواطنون، وهم الزبائن -ويمثلون جانب الطلب- دوراً اكثر فاعلية… فالشعب، ان تمتع بالوعي اللازم لحقوقه وقدراته، لديه اليوم اسلحة اقوى من الانتخابات، والمظاهرات، والانتقادات، وادانة الجميع، وتبرأة الذات، وعدم تحمل مسؤولياته.
مع الاقرار بكثير من المظلوميات، لكنه ليس المطلوب عدم دفع الفواتير والضرائب والرسوم والفوضى والتجاوز على الحقوق العامة والخاصة. بل الضغط لتغيير التشريعات والتعليمات ما امكن، للحصول على خدمات افضل ودفوعات منصفة ومبررة. وإلا سنديم انماط العيش البائسة والمعايير المتدنية، والمخصصات والرواتب والرعايات، وتردي مستلزمات الحياة الكريمة.. وهو ما يضعف الشعب، ويغول الدولة وسلطويتها، ويحولها لرعاية اجتماعية مترهلة ومستهلكة.. فعطاياها وخدماتها ليست مجانية، كما يعتقد البعض، بل مكلفة وغالية على المواطنين بالذات.. لأنها حقوقهم واموالهم، تهدر وتؤخذ منهم بالدنانير وتعطى لهم بالتفاليس.
لابد من

1- العمل الجاد لتبني تشريعات تغير طبيعة الدولة الريعية الاحتكارية.. و

2- وعي المواطنين اهمية الحصول على افضل السلع والخدمات والاعمال بافضل الشروط. وان يعي الشعب حقوقه، ويتضامن في الدفاع عنها فرادى وجماعات.. فكما تنظم الاحزاب نفسها لانتخاب مرشحيها التي تعتقد بكفاءتهم وصلاحهم.. يستطيع المواطنون باطارات منظمة او بدعوات فردية وجماعية الترويج لافضل السلع والخدمات، وفي كافة المجالات، سواء من القطاع العام او الخاص.. مؤكدين على دعم الايجابي، كوسيلة لعزل السلبي، وعدم الغرق في التشهير والطعن، خوفاً من الكيديات وصراع المصالح الضيقة. فاختيار ودعم الصالح فيه معاقبة للطالح. وهو المقصود بالتزام القطاعين العام والخاص باقتصاديات السوق، من حيث المعايير والكفاءات والرشد والعدالة في جانبي العرض والطلب. مما يقود لتقدم وفوز الافضل، وللمنافسة الشريفة، ولتطور اجتماعي واقتصادي ومهني، فردي وجماعي. وهذه من المسارات لتحول المجتمع من مستهلك يقبل بالاسوء، لمنتج لا يقبل الا بالافضل. وهذا رأسمال عظيم، وزخم هائل نحو التطور وتطويق التخلف والبيروقراطية واللامهنية والفساد والرشوة والغش والهدر، وتردي انماط الاعمال والحياة.
عادل عبد المهدي

مقالات ذات صلة