اراء و أفكـار

العنف ضد المرأة: العرب لا يتغيّرون؟

العنف ضد المرأة

ادّت ظاهرة وسم (أو هاشتاغ) «أنا ايضاً» MeToo# العالمي التي تنقل تجارب ملايين النساء (والرجال) حول مسائل العنف الجنسي ضد المرأة إلى مشاركة كبيرة غير مسبوقة في التاريخ البشريّ ورفعتها من قضية فرديّة تتعلّق بانتهاكات المنتج السينمائي هارفي واينستين ضد ممثلات وموظفات على مدى عقود إلى قضية كبرى تهزّ مؤسسات السياسة والتشريع والقضاء والرياضة والفن وتسائل، بطريقة فريدة ومبدعة وفعالة، قضايا عميقة في الاجتماع البشري.
ولعلّ هذا ما يجعل من الحملة العالمية التي أطلقتها الأمم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تستمر 16 يوماً، مميزة هذا العام وتدفع مئات الملايين من النساء والرجال للاعتقاد بأن العالم بدأ فعلا في التغيّر وأن الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية المساهمة في هذا العار الذي يلاحق البشريّة أصبحت أكثر هشاشة وانكشافاً أمام الوعي المتزايد للنساء والرجال بضرورة التغيير.
يلفت النظر، في هذا السياق، أن يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشهر الماضي إن «النساء مميزات جدا» وإن «الكثير من الأشياء تنكشف وهذا أمر جيد للمجتمع»، فهذا إقرار من الرئيس الذي حوصر، هو نفسه، بالكثير من الاتهامات بالتحرّش والاعتداء الجنسي، بخطورة الحملة التي تقودها النساء بأشكال عديدة ويشارك فيها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذا الحراك العالميّ الذي ما زال يضغط على مؤسسات السياسة والفن والرياضة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، وجد صداه المؤقت لدى العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض وسائل الإعلام، وفي تصريحات بعض الفنانات كهند صبري، التي قالت إن التحرّش متفشّ في أوساط المؤسسات الفنية العربية، وفي أنشطة منظمات الدفاع عن حقوق المرأة والإنسان، لكنّه لم يهزّ شعرة في رأس مسؤول عربي، وباستثناء بعض التغييرات في بعض قوانين الأحوال الشخصية فإن الأسس السياسية والاجتماعية والقانونية للتمييز ضد المرأة (وهو شكل من أشكال العنف عليها) ما زالت محافظاً عليها بقوّة.
تصدر بين الحين والآخر تصريحات لمسؤولين أو مشرعين عرب تذكّر بانحطاط المعايير وبخروج أصحابها من التاريخ، كما هو الحال مع النائب الأردني محمود الخرابشة الذي شكك في أردنية من تتكلم عن التحرش في التلفزيون، ودعا ابن الأردنية لأب غير أردني أن يحمل أمه ويغادر، وكذلك تصريحات لشخصيات معروفة، كالمحامي المصري نبيه الوحش الذي اعتبر، عبر لقاء تلفزيوني، اغتصاب لابسات السراويل الممزقة «واجباً قوميّاً».
ولا يمكن، في الحقيقة، فصل هذه التصريحات عن مناخ العنف الفعلي واللفظي الهائل الذي يخيّم على الجغرافيا العربية، والذي تجاوز حدود العقل والمنطق بمراحل، فما دامت سوق التصريحات السياسية لكبار المسؤولين مفتوحة، فماذا يضرّ الخرابشة أو الوحش تصريحاتهما البشعة ضد النساء؟
التصريحات العنيفة ضد النساء هي تحصيل حاصل أمام تصريحات مسؤولين كبار آخرين فالتة من عقالها، كما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام حين هدد باستخدام «القوة الغاشمة» أي القوة الظالمة والمعتدية، وكما فعل نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان حين دعا إلى قصف قناة «الجزيرة» محملا إياها مسؤولية مجزرة مسجد «الروضة» في سيناء، وقبل ذلك ما نشرته وسائل إعلام مصرية عن تمويل قطري لسد «النهضة» (وذلك للتمويه على فشل الحكومة المصرية في فشل التعامل مع القضية) وهو ما نفته الحكومة الأثيوبية.
المساهمة في تغيير الواقع المزري للنساء في العالم العربي هو، بهذا المعنى، مساهمة في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي العربي، وهو جزء أيضاً من تغيير العالم.

“القدس العربي”

مقالات ذات صلة