تجارة الرق في ليبيا
التحقيق الاستقصائي الذي نشرته شبكة «سي إن إن» الأمريكية الأسبوع الماضي حول تجارة الرق في ليبيا كان بالفعل صادماً، إذ إنه يرصد المأساة التي يعانيها المهاجرون، الراغبون في الانتقال إلى أوروبا، بعد أن واجهوا صعوبة في البقاء والعيش في بلدانهم، وصاروا يحلمون بالهجرة إلى دول «القارة العجوز»، حيث تبدو ليبيا مفتاحاً من مفاتيح أبواب الدخول والهجرة إليها.
المأساة لا تكمن في الأوضاع السيئة التي يعيشها المهاجرون، بل في ظاهرة بدت غريبة على المجتمع الليبي، وتمثلت في سوق لبيع البشر عبر مزاد علني، بحيث يتم استخدام من يتم بيعه إما كعمال أو مزارعين، وذلك بعد أن يئسوا من العبور إلى أوروبا.
المهربون الذين يقومون بجلب الناس إلى السواحل الليبية هم من يقومون ببيعهم بعد أن يكونوا قد فشلوا في إدخالهم إلى أوروبا عبر البحر، فيعودون إلى السواحل الليبية لبيعهم أجراء وعبيداً لمن يرغب في شرائهم، وبالتالي امتلاكهم، تماماً كما يمتلك المشتري أي قطعة أثاث أو سيارة أو جرار زراعي، أو حيوان أليف.
الصدمة هي التعبير الأدق لما أفردته الشبكة في تحقيقها الاستقصائي من عرض البحر قرب العاصمة طرابلس، حيث تم بيع شخصين في غضون دقائق قليلة بمبالغ زهيدة لا تتعدى ال 400 دولار، الأمر الذي استفز السلطات الليبية، التي وإن نفت أن تكون القضية بمثابة ظاهرة تمارس علناً، أعلنت على لسان نائب رئيس حكومة الوفاق أحمد معيتيق، أن طرابلس فتحت تحقيقاً في الظاهرة، معرباً عما أسماه استياء حكومياً من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام حول انتعاش تجارة الرقيق في ضواحي مدينة طرابلس، وأكد أن حكومته بصدد تكليف لجان مختصة للتحقيق في التقارير المنشورة لضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة لنيل جزائهم الرادع.
مأساة المهاجرين الأفارقة عبر ليبيا إلى أوروبا ليست جديدة، فالمئات، بل عشرات الآلاف منهم يفرون من بلدانهم إلى ليبيا، همزة الوصل مع أوروبا، لكن الجديد أن حالات وفرص الوصول إلى أوروبا لم تعد متاحة، كما كان عليه الحال في السنوات القليلة الماضية، فأوروبا بدأت تغلق حدودها للحد من التدفق الهائل للمهاجرين الأفارقة وغير الأفارقة، خاصة القادمين من الدول العربية التي تشهد أوضاعاً شبيهة بالدول الإفريقية.
من الواضح أنه منذ سقوط نظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2011، دخلت ليبيا لجة المجهول، وانتشر فيها الفساد بعدما استغل المهربون الفراغ الأمني والفوضى التي تعم ليبيا، ولم تقتصر الفوضى على السلاح وتقاسم مناطق النفوذ، بل في السماح أيضاً لعشرات الآلاف من الأشخاص بعبور البلد إلى إيطاليا، ومنها إلى بقية دول «القارة العجوز»، التي تواجه توافداً كبيراً للاجئين بحثاً عن أمان يفتقدونه في بلدانهم، بمعنى آخر تحولت ظاهرة تهريب البشر من ليبيا إلى أوروبا إلى بيعهم، وهو ما دفع بالكثير من دول العالم للتنديد بهذه الظاهرة التي تعيد الإنسان إلى عصر العبودية، بعدما كان العالم يعتقد أنه ولّى إلى الأبد، وفق تعبير رئيس نيجيريا محمد يوسفو، الذي طالب بإدراج القضية في جدول أعمال قمة الاتحادين الإفريقي والأوروبي نهاية الشهر الجاري.
“الخليج”