اراء و أفكـار

روسيا وهشاشة الحل في سوريا

حلول روسيا تزداد تعقيدا وتشابكا في هذه المرحلة التي بدأت فيها جميع الدول المشاركة في الحرب السورية في احتساب الخسائر والأرباح وصياغة التوافقات والاتفاقات.

شكّل التدخل الروسي في سوريا انقلابا نوعيا في طبيعة إدارة الحرب والحلول. واستطاعت روسيا فرض شروطها عسكريا وسياسيا، عبر فرضها مباحثات أستانا التي تمخّضت عن مناطق خفض التصعيد التي لا تندرج تحت مفهوم وقف إطلاق النار أو مفهوم الهدنة، إنما تبريد الصراع في المناطق التي عجز النظام عن السيطرة عليها.

ما قدّمته روسيا في إدارة العملية السياسية بعد تفريغ مباحثات جنيف لصالح أستانا لم يصل إلى مرحلة إيجاد رؤية سياسية تنهي الصراع وتضمن استقرار سوريا، ومناطق خفض التصعيد لم تلغِ المخاطر من احتمال تقسيم سوريا وهو ما أورده الرئيس فلاديمير بوتين خلال مشاركته في منتدى فالداي الدولي في مدينة سوتشي الروسية بتاريخ 19 /10 /2017، مقترحا عقد مؤتمر “لشعوب سوريا” كخطوة تالية بعد إنشاء مناطق خفض التوتر في سوريا، وذلك لحل الأزمة بين أطراف النزاع وتحقيق السلام عبر جمع ممثلين عن الحكومة السورية والفصائل المعارضة، دون ذكر لا للمرحلة الانتقالية ولا للقرارات الدولية المعتمدة في جنيف1.

وكذلك عن جميع الطوائف العرقية والدينية في سوريا، ليشكّل صدمة للشارع السوري في دلالات الاسم وما يحتويه من مخالفة لطبيعة الواقع السوري فالتنوع السوري الديني هو تعدّد الطائفي والمذهبي، والتنوع العرقي يشكّل العرب نسبته العظمى في مقابل نسبة ضئيلة من الأكراد والأرمن والسريان والشركس والتركمان والآشوريين، وأن أي من هذه المكونات المختلفة لم تصل إلى أن تُصنَّف شعوبا، بسبب تداخل المعايير الدينية والعرقية بين المكونات، والواقع السوري رغم ما وصل إليه من مشكلات في الهوية والتشظي الاجتماعي نتيجة هشاشة الانتماء الوطني لم يصل بعد إلى انفراط عقد الشعب السوري الواحد وتحويله لشعوب، لكن هذا المصطلح يشكّل خطوة مريبة إضافية في طريقة الإدارة الروسية للمشكلة السورية والحلول السلمية الساعية إليها.

مؤتمر شعوب سوريا المزمع عقده بين 7 و10 الشهر المقبل تحت المظلة الروسية وضماناتها في قاعدة حميميم، الرمز الأقوى للوجود الروسي في إدارة العمليات العسكرية والنشاط السياسي، الذي يهدف إلى استكمال تطبيع الأوضاع في سوريا بطريقة مستدامة بحسب ما أورده بوتين، ويسعى للبحث عن صيغة لمنظومة الحكم المقبل التي أرادها الروس والأميركيون ولاستيعاب الأكراد وإشراكهم في العملية السياسية، إلا أنه يكرّس انقسام الشعب السوري.

فالتخوف من التقسيم لا يقف عند حدود مناطق خفض التصعيد التي تشمل منطقتين معزولتين جغرافيا ومحاصرتين “الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي” اللتين لا تمتلكان مقومات الانفصال أو الاستقلال كإدلب وجنوب سوريا المحاذيتين لـتركيا والأردن، إنما يأتي من طموحات بعض الأكراد، فما جرى في كردستان دفع الأمور باتجاه الواقعية السياسية وفتح المجال للتفاوض على حل فيدرالي اتحادي كمنظومة حكم سوريا الجديدة والضغط على أميركا لعقد صفقة سياسية تخص سوريا، بدعوة ممثلين عن مناطق سيطرة الأميركيين إلى حميميم، وهذا لا يتنافى مع الرؤية الروسية لمصير سوريا السياسي.

فالجانب الروسي يرى مستقبل سوريا اتحاديا مشابها “لروسيا الاتحادية” ولهذا فإطلاق تعبير شعوب سوريا يتماشى مع الخطوات المصيرية القادمة، وتضمين هذا الطرح ضمن الدستور المطلوب صياغته أثناء المرحلة الانتقالية بحيث يرضي الأطراف الدولية ومن خلفها المعارضة ويحفظ بقاء النظام.

روسيا التي وكّلت نفسها للإشراف على مجريات التغيرات في الواقع السوري وإدارة المراحل لم تصل إلى مسارات حلول مستدامة، وإن حلولها تزداد تعقيدا وتشابكا في هذه المرحلة التي بدأت فيها جميع الدول المشاركة في الحرب السورية في احتساب الخسائر والأرباح وصياغة التوافقات والاتفاقات.

لكنها في حال تمكنت من تنفيذ أجندتها بمساعدة الدول الضامنة والقوى الإقليمية الكبرى فإنه سيمثل خطوة إضافية تالية غاية في الأهمية في التسوية السياسية ثم صياغة الدستور الجديد على أساس التفتيت وفقا للطوائف أو القوميات التي تؤدي بالنهاية لتنفيذ مصالح القوى الخارجية وليس مصلحة السوريين كشعب، ولن تؤمّن انتقالا سياسيا نحو نظام ديمقراطي تعددي يحقق طموحات جميع السوريين في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ويراعي ميزة التنوع والاختلاف في المجتمع السوري.

كاتبة سورية
هوازن خداج
العرب

مقالات ذات صلة