اراء و أفكـار

حين يُباد الروهينجا بجائزة نوبل للسلام

د. مثنى عبدالله

ليس غريبا أن يتعرض المسلمون من الروهينجا إلى إبادة جماعية في ظل حكم أونغ سان سو تشي، زعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الحاكم حاليا في بورما، والحائزة جائزة نوبل للسلام، بسبب نضالها ضد الديكتاتورية العسكرية في بلادها، حيث تم سجنها وفرضت عليها الإقامة الجبرية، ومع ذلك نسيت كل تلك المعاناة وتحولت إلى جلاد.
نقول ليس غريبا أن يحدث ذلك لأن أهلنا في فلسطين تعرضوا إلى إبادة جماعية أيضا على يد من حازوها، شمعون بيريز، ومناحيم بيغن، وأسحاق رابين، وكل منهم له صفحات واسعة في التاريخ ملطخة بعار الجريمة المنظمة.
والمسلمون الروهينجا البالغ عددهم حوالي المليون ونصف المليون، يعيشون في مقاطعة راكان القريبة من الحدود مع بنغلاديش، التي كانت مملكة مستقلة في عام 1784. بينما تقول السلطات البورمية بأنهم ليسوا من السكان الأصليين، بل جاءوا واستوطنوا هذه المنطقة بعد هجرة غير شرعية من بنغلاديش في القرن الخامس عشر. لذا فهم وحتى اليوم ليس لهم حق الحصول على الجنسية (بدون)، ويتبع ذلك انعدام حق الزواج والتعليم وتم تدمير تراثهم الثقافي، وفرضت السلطات مراقبة مشددة على قراهم ومدنهم، وأصبحوا على مدار سنوات عدة واحدة من أكثر الاقليات تعرضا للاضطهاد في العالم.
وعلى الرغم من أن الأزمة الحالية بدأت في أغسطس الماضي، وأن السلطات البورمية تعزوها إلى قيام ناشطين من الروهينجا باستهداف دوريات الشرطة والجيش وممارسة العنف، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما. فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الروهينجا إلى جرائم الإبادة. ففي سبعينيات القرن المنصرم قام المجلس العسكري الذي تولى السلطة في بورما آنذاك بعدة عمليات عسكرية لدفعهم للهجرة إلى بنغلاديش. كما تبنت السلطات قانونا ينزع الجنسية ممن حصل عليها منهم. وقد استمرت حملة العنف حوالي ثلاثين عاما. ثم تلتها حملة تطهير أخرى ضدهم عام 2012. وهم حاليا يتعرضون إلى القضية نفسها، حيث قام فريق من المحققين الدوليين مؤخرا بلقاء العديد من اللاجئين الذين فروا إلى بنغلاديش المجاورة، والذين يقدر عددهم بحوالي نصف مليون إنسان، وتبين من خلال التحقيق والاستقصاء أن الادعاء بقيام الجيش بحملة التطهير الأخيرة جاءت رد فعل على العنف المقابل من قبل الروهينجا، عارية عن الصحة. ما حدا بالامم المتحدة إلى إصدار بيان فندت فيه مزاعم الحكومة البورمية وقالت، إن حملة القمع التي تقوم بها السلطات البورمية كانت قد بدأت قبل أعمال العنف التي قام بها الناشطون من الروهينجا. كما نص البيان على أن (الهجمات الوحشية ضد الروهينجا في القسم الشمالي من ولاية راخين كانت على قدر من التنظيم والتنسيق والمنهجية، وبنية لا تقتصر على حمل السكان على الرحيل عن بورما، بل أيضا على منعهم من العودة). كذلك عقد مجلس الامن الدولي جلسة علنية خاصة بالازمة في سبتمبر الماضي، طالب خلالها الجيش البورمي بوقف العمليات العسكرية في غرب البلاد، وأتاحة الفرصة لوصول الدعم الإنساني بدون عوائق. وفي تلك الجلسة طالب العديد من الدول اتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطات والجيش في بورما. ودعا الأمين العام للامم المتحدة إلى (ضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة والمستديمة للاجئي الروهينجا الذين فروا من البلاد)، وأورد في خطابه إفادات لشهود عيان بشأن انتهاكات للقوانين الدولية، منها إطلاق نار عشوائي عليهم، واستخدام ألغام ضد الاشخاص، وأعمال عنف جنسي ضد النساء. وذهبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى الدعوة بفرض عقوبات أخرى على السلطات البورمية منها، فرض حظر على السفر وتجميد أصول مسؤولي الأمن المتورطين في ارتكاب انتهاكات خطيرة، وتوسيع الحظر الحالي المفروض على توريد السلاح، وفرض حظر على المعاملات المالية.
وعلى الرغم من كل هذه المواقف الدولية الواضحة ما زالت بورما تنفي كل هذه الانتهاكات، على لسان الكثير من المسؤولين فيها. كما زعمت أونغ سان سو تشي بأنها مستعدة لتنظيم عودة اللاجئين إلى قراهم، ودخول مراقبين أجانب للتأكد من الحالة، لكن دعوتها هذه جاءت فضفاضة وخالية من أي موعد محدد للبدء في ذلك، وما هي الآليات التي سوف تعتمد لتحقيق ذلك. كما أن دعوتها هذه يقابلها تعنت واضح وصريح من قبل البوذيين الذين يرفضون عودة اللاجئين، أو التوقف عن ممارسة العنف ضد من بقي منهم. وهو موقف تتبناه المؤسسة العسكرية أيضا وبشكل معلن، حيث يرتبط العديد من قادة الجيش بعلاقات متينة مع حركة (ماباتا) للرهبان المتطرفين، التي يقول خطابها الإعلامي بأنها تدافع عن الوطن بوجه الغزاة. وعلى الرغم من أنها حُلت بقرار من الحكومة لكنها ما زالت موجودة وبقوة، وتقوم بتنظيم المهرجانات والاجتماعات العلنية التي تُحرّض على العنف واضطهاد الروهينجا. وغالبا ما تساند الحكومة عمليات هذه الحركة بفرض طوق أمني على المناطق التي يقومون فيها بالهجوم على الاقلية المسلمة. في حين تتهم الحكومة أقلية الروهينجا بأن لديهم حركة مسلحة تقوم بارتكاب مجازر ضد الهندوس في ولاية راخين تدعى (جيش إنقاذ الروهينجا) .
إن ما يحدث للروهينجا لا يمكن اختزاله بمسألة الصراع الاثني بين البوذيين والمسلمين والهندوس، ولا يمكن أن يكون مرتبطا بموضوع الهوية، أو بتهمة حمل البعض للعصي والسكاكين في مهاجمة معسكرات الجيش والشرطة. فهذه كلها أسباب غير معقولة أو ثانوية، بينما السبب الحقيقي في ما يجري هو أن الارض التي تسكن عليها هذه الاقلية المسلمة باتت ثمينة، بسبب المشاريع الضخمة التي تنفذها الصين في المنطقة، على حد وصف عالمة الاجتماع ساسيكا ساسين في كتابها «عمليات طرد: العنف والتعقيد في الاقتصاد العالمي» حيث عززت الصين تواجدها الاقتصادي في هذه المنطقة، وهي تعاضد الحكومة البورمية في حملتها ضد الروهينجا، كي تضمن أمن الانابيب التي تنقل النفط والغاز من الشرق الاوسط إلى اقليم يونان في جنوب غرب الصين، حيث يربط راخين بيونان أنبوب نفط ضخم كانت كلفته 2.45 مليار دولار واستغرق إنشاؤه سبع سنوات.
كما تبين أن راخين تضم ثروات هائلة من الغاز الطبيعي، وهي تحديات اقتصادية لها دور كبير في ما يحدث من اضطهاد. وقد شرع قادة الجيش بالقيام بعمليات طرد وقتل ممنهج بالتنسيق مع رجال أعمال بوذيين كي يستولي هؤلاء على الاراضي. وقد أنعكست المنافع الاقتصادية التي تجنيها الصين على موقفها السياسي من الأزمة، حيث طالب المندوب الصيني المجتمع الدولي بالصبر على ما يحدث في بورما ومساعدة حكومتها. وهو موقف ينسجم أيضا مع موقف روسيا، التي نفى ممثلها في الامم المتحدة موضوع التطهير العرقي والابادة الجماعية التي وصفها المجتمع الدولي، ملقيا اللوم على الروهينجا بأنهم من أقدموا على حرق قرى الهندوس.
وإذا كان العديد من البلدان الاسلامية قد استنكر وأدان ما يحدث للروهينجا، فإنها من الناحية الاخلاقية إدانات بطعم الجريمة نفسها التي تقوم بها الحكومة البورمية وميليشيات البوذيين. فقد ضاع العديد من البلدان العربية والاسلامية وما زالت أسلحتنا هي هذه، بينما يتبرع ولاة أمورنا بملايين ومليارات الدولارات لتحقيق فرص عمل للامريكيين أو لمن تعرض منهم لإعصار من الطبيعة.
باحث سياسي عراقي

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة