مؤشرات معركة إدلب
لكن تبقى معركة إدلب التي فتحت صفحتها الأولى أمس بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء المعركة ضد «جبهة النصرة» بدعم جوي روسي ودعم بري تركي هي المحك لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجولة السادسة من مفاوضات أستانة التي عقدت في منتصف الشهر الماضي، بإضافة محافظة إدلب لمناطق خفض التوتر الثلاث الأخرى في غوطة دمشق الشرقية ومحافظتي حمص وحماة ومناطق أخرى على الحدود مع الأردن في الجنوب.
في الواقع كان قرار إضافة إدلب إلى مناطق خفض التوتر اختباراً لتركيا حول ما إذا كانت جادة فعلاً في محاربة الإرهاب، خصوصاً تلك المنظمات التي ظلت لسنوات تلقى تسهيلات ورعاية تركية – قطرية، ومن بينها «جبهة النصرة».
لقد رسمت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى أنقرة ، خريطة طريق الدور التركي لتنفيذ مقررات أستانة لجهة مواجهة «جبهة النصرة» استكمالاً للحرب ضد «داعش» التي تدور على جبهات أخرى، وكان الدور التركي أساسياً في إدلب نظراً لقربها من حدودها، وقدرتها على إقناع الجماعات المسلحة (المعتدلة) التي تتولى رعايتها الانخراط في المعركة ضد «النصرة» إلى جانب القوات السورية النظامية.
إن دخول تركيا هذه المعركة من خلال «الجيش السوري الحر» وبدعم جوي روسي، وإسناد بري تركي يؤشر إلى تغير في سياسة أنقرة التي كانت مهدت لهذا القرار قبل أيام بحشد عسكري في محافظة هاناي الحدودية مع سوريا.
إن قول أردوغان بعد إعلانه عن بدء عملية إدلب بأن تركيا لن تسمح بإقامة ممر إرهابي عند حدودها مع سوريا، يعني انقلاباً في الموقف التركي المتماهي مع الموقف الروسي لجهة حسم وتحديد المواقف من الإرهاب، ورسم خط فاصل بين المعارضة المعتدلة والجماعات الإرهابية. لذا فإن الدعم الجوي الروسي ل«الجيش السوري الحر» يمثل هو الآخر انقلاباً في الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، والانخراط الجوي في معركة إدلب يعني أن موسكو حققت مكسباً إستراتيجياً في حمل أنقرة على المشاركة في الحرب على الإرهاب وفي دفع المعارضة المعتدلة إلى التخلي عن تحفظاتها وشروطها للانخراط في هذه الحرب. وهذه الخطوة قد تستكمل بخطوات أخرى مماثلة على جبهات أخرى، وتفتح الطريق لتحقيق إنجازات ميدانية مشتركة توفر أرضية لتفاهمات مطلوبة في مفاوضات أستانة وجنيف المقبلة وتمهد لتسوية سياسية تضع حداً للحرب المدمرة التي طال أمدها على اتساع الجغرافيا السورية.
لا شك أن معركة إدلب كما معركة حلب ودير الزور والميادين ولاحقاً البو كمال سوف تشكل تحولاً إستراتيجياً لدحر الإرهاب، يمكن البناء عليه إيجابياً في مسار الأزمة السورية، كما هو الحال في معارك الحويجة والأنبار في العراق.