اراء و أفكـار

الإرهاب وبناء الجدران في النفوس

سمير السعداوي

«أكثر من 50 قتيلاً برصاص مسلح خلال حفلة في لاس فيغاس»، «مسلح بسكين يقتل شابتين في مرسيليا» و «خمسة جرحى باعتداء إرهابي في إدمونتون الكندية». عناوين لثلاثة حوادث وقعت في ظرف 48 ساعة نهاية الأسبوع الماضي، لا قاسم مشتركاً بينها سوى الإرهاب، أياً يكن مصدره ومهما كانت هويته، هو إرهاب متفلت من أي عقال يغذيه الجنون المختلط بالإجرام.
في هجوم مرسيليا، المنفذ عربي مسلم صاح بعبارات «تكبير» قبل أن ينقض على شابتين ويقتلهما طعناً بسكين. وثمة معلومات عن أنه يحمل جواز سفر تونسياً.
أما منفذ هجوم إدمونتون فهو طالب لجوء صومالي، استخدم سكيناً لطعن شرطي قبل أن يحاول دهس أربعة من المارة بشاحنة صغيرة، في تقليد بغيض بات شائعاً لدى الإرهابيين. الصحافة الكندية نقلت عن مسؤول في الشرطة المحلية أن الصومالي سبق وأُخضع قبل سنتين لاستجواب في إطار تحقيق مرتبط بالحركات الإسلامية لكن «لم يكن هناك دليل كاف لملاحقته بتهم تتعلق بالإرهاب»، كما قال المسؤول.
هجوم لاس فيغاس، الأكثر دموية، نفذه مسلح أميركي من سكان المدينة يدعى ستيفن بادوك ويبلغ من العمر 64 سنة. ولم تشر تقارير إلى أي علاقة له بتنظيم متشدد كما حصل بعد هجوم أورلاندو في فلوريدا الذي وقع في 12 حزيران (يونيو) 2016 ونفذه أميركي من أصل أفغاني قتل 49 شخصاً وأصاب حوالى خمسين آخرين في ملهى ليلي للمثليين. اعتداء أورلاندو تبناه «داعش» وكان يعتبر الأسوأ في الولايات المتحدة منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، قبل أن تقع كارثة لاس فيغاس الأحد والتي أسفرت عن 200 جريح إلى جانب القتلى الخمسين.
من الواضح أن توافر السلاح رفع حصيلة الضحايا الأبرياء في لاس فيغاس، ما يعني أن بداية كبح جماح العنف، لا بد أن تكون في منع بيع الأسلحة وحيازتها، الأمر الذي يواجه بمعارضة شديدة من جانب أوساط تجارة الأسلحة وأدوات الصيد في الولايات المتحدة.
ولولا تورط طالب لجوء صومالي في اعتداء كندا، لكان بالإمكان القول إن القيود وإجراءات الحظر التي يسعى البيت الأبيض إلى فرضها على الوافدين الأجانب، لا تقاس جدواها بما يمكن أن يتحقق في حال حظر الأسلحة ومراقبة الإنترنت والتشدد في بيع مواد يمكن استخدامها لتصنيع عبوات ناسفة.
غير أن ارتدادات الإرهاب لم تنعكس سلباً على الهجرة إلى الولايات المتحدة فحسب، بل طاولت أيضاً حرية الحركة في أوروبا التي بدأت تدرس تجميد معاهدة شنغن التي أزالت الحدود داخل «القارة العجوز» لفترة قد تزيد على ثلاث سنوات، وتجميد كهذا إذا أُقر سيكون ضربة كبيرة لأسس الوحدة الأوروبية، إذ يعيد الحدود داخل القارة، بما لذلك من أثر معنوي سيئ، يضاف إلى خسائر مادية كبيرة ستنتج منه.
إذا كان القاسم المشترك بين الأعمال الإرهابية هو الإجرام الذي لا فائدة منه، فإن الضرر المشترك الذي تتسبب به، هو تقييد حركة الناس وزيادة الصعوبات في وجه تعاملاتهم اليومية، وصولاً إلى دفع دول ومجتمعات إلى الانغلاق والتقوقع.
غير أن فوق كل ذلك، ثمة نتيجة سياسية تتمثل في صعود الأحزاب والتنظيمات اليمينية المتطرفة الداعية إلى الكراهية والمناهضة للمفاهيم الإنسانية الجامعة.
ولا شك في أن العلمنة تأتي في مقدم الظواهر المرفوضة من جانب المتطرفين، لذا قد يكون من الضرورة البدء في البحث عن وسائل تواصل بين المجتمعات والدول، لمنع نشوء حواجز معنوية ومادية، وتحطيم الجدران التي يسعى التطرف إلى إقامتها في النفوس قبل أي مكان آخر.

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة