اراء و أفكـار

حصاد المكاسب الروسية في سوريا

المحتفلون بمرور عامين على التدخل العسكري الروسي في سوريا كثيرون ليس بينهم الولايات المتحدة. يوم السبت الماضي حلت الذكرى الثانية لهذا التدخل الذي قلب موازين الحرب، ومنح قبلة الحياة للنظام السوري، وخلق واقعاً جديداً أو بالأحرى منع واقعاً كان يراد له أن يرى النور. الحرب السورية كانت وما زالت صراع إرادات ومصالح بين قوى محلية وإقليمية ودولية عدة. وتظل الولايات المتحدة وروسيا في طليعة المتحاربين بالوكالة على الأراضي السورية.
ورغم تعقيدات الداخل السوري وتشابك مصالح وعلاقات القوى المتحاربة، تظل سوريا مجرد جبهة واحدة في حرب كونية على المصالح والنفوذ بين هاتين القوتين الكبيرتين. ومن المنطقي أن تكون أرباح إحداهما خسارة صافية للأخرى. لهذا فإن ما حققته روسيا في سوريا هو خصم من الرصيد الأمريكي.
ترى الكاتبة «انا بورشيفسكايا» الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمتخصصة في سياسة روسيا في الشرق الأوسط، أن الرئيس الروسي بوتين أنجز كل الأهداف التي سعى إليها في سوريا بأقل تكلفة ممكنة. وأنه سيواصل حصد المكاسب ما دامت الولايات المتحدة تخلي له الساحة ليصول فيها ويجول. حقق بوتين ما أراد دون أن يغرق في المستنقع السوري خلافاً لنبوءة الرئيس الأمريكي السابق أوباما في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
الهدف الأول له كان إنقاذ الأسد الذي كان على وشك السقوط، ومن ثم أبقى على أهم حلفائه في الشرق الأوسط، وحافظ بالتالي على موطئ قدم لبلاده في سوريا. حقق بوتين مكسباً استراتيجياً آخر هو دعم التواجد العسكري في سوريا وهو أكبر وجود عسكري لبلاده خارج بلدان الاتحاد السوفييتي السابق.
ومن خلال هذا التواجد على الأرض قلص بوتين القدرة الأمريكية على المناورة عسكرياً في سوريا، وأنهى تماماً خطر فرض حلول غربية لا تأخذ في الاعتبار الأهداف والمصالح الروسية. بل أصبحت له الكلمة العليا في تحديد مصير ومستقبل سوريا، ورسم خريطتها السياسية بعد انتهاء الحرب.
في هذا الإطار تحولت سوريا لورقة ضغط رابحة في يد بوتين يمكنه المساومة بها في أي صفقة محتملة مع واشنطن بشأن الخلافات الدولية بينهما سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا أو غير ذلك.
وليس خافياً على أحد أن التدخل الروسي الذي أسفر عن بقاء الأسد أتاح لإيران نشر المزيد من قواتها والقوات الموالية لها لدعم النظام السوري الحليف. وهذا التواجد الإيراني بدوره ورقة روسية أخرى رابحة يمكن لبوتين مساومة أمريكا بها. فمن غيره يمكنه الضغط على الأسد لإخراج إيران.؟

داخلياً أنجز بوتين مكاسب مهمة وهو يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل. بات بمقدوره تسويق نفسه أمام شعبه باعتباره بطلاً قومياً استرد الكرامة الجريحة لبلاده منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ألم ينجح في خوض معركتي سوريا وأوكرانيا للحفاظ على مصالح بلاده والتصدي للمخططات الأمريكية الشريرة؟ هذا ما تروج له وسائل الإعلام الروسية المؤيدة له.

لا يمكن تجاهل مكسب روسي آخر مهم وهو زيادة مبيعات الأسلحة بعد الأداء الجيد لها على الجبهة السورية. فكما تحولت سوريا إلى حقل تجارب لهذه الأسلحة، أصبحت أيضاً نافذة للدعاية لها.
كل هذه النتائج لا تسر واشنطن بالفعل، وهي للحقيقة ليست محصلة لعبقرية روسية فذة ولكنها نتاج سياسة أمريكية مترددة وغير واضحة في ظل إدارتي أوباما وترامب. وحتى الآن لا توجد ملامح محددة لأي استراتيجية أمريكية في سوريا. ما يفعله ترامب لا يختلف جوهرياً عما قام به أوباما. ما زالت أمريكا قانعة برد الفعل دون إطلاق مبادرات. حتى اتفاق الهدنة الذي أبرمته مع موسكو بشأن منطقة جنوب غربي سوريا ليس أكثر من استجابة لما طرحه بوتين ووقعه وفقاً لشروطه. ويبدو أنه سيظل قادراً على انتزاع المزيد من المكاسب.

 

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة