اراء و أفكـار

أصداء الخطاب الأول

عاصم عبد الخالق
الخطاب الأول الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي كان مثيراً للجدل، شأنه شأن كل ما يقول أو يفعل. ما بين مؤيد متحمس ومعارض ساخط ،استقبل الإعلاميون والسياسيون الأمريكيون كلمة رئيسهم التي دشن بها ظهوره الأول أمام هذا المحفل الدبلوماسي العالمي الكبير.
المهللون له اعتبروا أنه دشن عصراً جديداً لأمريكا القوية القائدة. بينما اعتبر الناقمون عليه أنه جعل العالم أقل أمناً، ورفع رايات الحرب بلا ضرورة. الفريق الأول أغدق عليه عبارات المديح والثناء، فيما كال له الفريق الآخر أوصاف الهجاء والتقريع.
ما اعتبره المؤيدون تعبيراً عن القوة سجله المعارضون كنوع من التهور. شجاعته في أعين أنصاره تحوّلت إلى اندفاع في رأي خصومه. الأولون تعاملوا مع تهديده لكوريا باعتباره إظهاراً للحسم، ورسالة تحذير إلى الأعداء حتى لا يتمادوا. فيما أكد الآخرون أنه لم يفعل سوى إلقاء مزيد من الزيت على نار التوترات العالمية المشتعلة.
ليس للحقيقة سوى وجه واحد، ولكن ما يستخلصه المشاهدون يختلف تبعاً لتوجهاتهم ومواقفهم، وهو ما حدث بالضبط مع ترامب في هذا الخطاب، ويحدث مع غيره أيضاً. المؤيدون له لا يرون سوى الخير في كل ما يفعل ويقول. وقد لخص موقفهم المحلل البريطاني نايل جاردينر مدير مركز مارجريت تاتشر في معهد هيرتيدج اليميني في لندن.
اعتبر الكاتب، وهو من المحافظين، أن خطاب ترامب إعلان عن نهاية عصر القيادة من الخلف، وهو النهج الذي سار عليه الرئيس أوباما. وفي رأيه قدّم ترامب نفسه كزعيم للعالم الحر، خلفاً لرئيس ضعيف مرتبك يسترضي الخصوم. ولم يسع لاستجداء التصفيق من الحضور كما فعل سلفه، لأن الزعامة ليست مسابقة لكسب الشعبية.
الخطاب من وجهة نظر هذا الفريق كان قوياً وصلباً وواضحاً في الرسائل التي وجهها إلى الأعداء، لاسيما كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا. وتهديدات ترامب بتدمير كوريا كانت ضرورية، لإظهار جدية أمريكا في مواجهتها. نفس الأمر بالنسبة لتلميحاته بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فهو في رأيهم موقف صائب لاحتواء خطرها وردعها.
على النقيض من ذلك جاءت استجابة المعارضين سلبية لأقصى الحدود. ولم يروا في الخطاب سوى كلمات سخيفة وطنانة على نحو كارثي، كما وصفها جون نيقولاس، كاتب مجلة «ذي نيشن». لم يكن الرئيس موفقاً في سخريته من الزعيم الكوري الشمالي وتهديداته له.
وعلى حد قول مارك فيتزباتريك المدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن هذه التهديدات ستجعل كوريا أكثر إصراراً على امتلاك الأسلحة النووية لحماية نفسها. كما أن التلويح بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران سيصرف الكوريين الشماليين عن التفكير في توقيع اتفاق مماثل مع أمريكا، فضلاً عن تشجيعه لإيران نفسها على تصعيد تهديداتها للمصالح الأمريكية في المنطقة.
نقطة أخرى مهمة أثارها ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بشأن حديث ترامب المفعم بمشاعر الوطنية الجارفة وتأكيداته على دعم السيادة الوطنية. من وجهة نظر الخبير الأمريكي فإن الرئيس تجاهل حقيقة أنه يحتاج العالم بأكثر مما يحتاج إليه العالم أو يريده.
ومن الزاوية نفسها انطلق كاتب آخر هو أيان بريمر، رئيس مجموعة «يورو آسيا» الاستشارية محللاً كلمات ترامب. وبدوره اعتبر أن الإسراف في تأجيج مشاعر الوطنية والقومية سيزيد المعاداة للعولمة، وهو ما يغذي الصراعات ويضعف فاعلية المؤسسات الدولية في مواجهتها.
أما تفاخر ترامب بقوة بلاده العسكرية فهو بلا معنى من وجهة نظر خصومه، لأن امتلاكها قوة عسكرية أكبر لا يعني حصولها على مزايا أكثر. كذلك فإن طبيعة التهديدات العالمية في القرن الحادي والعشرين لا تجدي معها القوة العسكرية في كثير من الحالات. هناك التغيرات المناخية والقرصنة الإلكترونية وانتشار أسلحة الدمار الشامل والاضطرابات الداخلية العنيفة وحتى الإرهاب، أليست هذه كلها تهديدات لا يمكن مواجهتها بالقوة، أو بالقوة وحدها؟

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة