اراء و أفكـار

نتنياهو ودبلوماسية غزو القارات

محمد خالد الأزعر

ليس من الإنصاف تعليل قرار توجو بتأجيل القمة الإسرائيلية الأفريقية، التي كان من المزمع عقدها في أكتوبر المقبل، بعدم استقرار نظام الرئيس التوجولي جناسينجبي وأزمته السياسية ومشكلاته مع المعارضين والمتظاهرين.

فهذه الأزمة ليست مستجدة أو طارئة، وفي أجوائها جرى التأكيد لأكثر من مرة على انعقاد القمة في موعدها. الأرجح أن المواقف الفلسطينية والعربية المحتجة والغاضبة والمستنكرة، وما صاحبها وترتب عليها من جهود دبلوماسية ضاغطة في الاتجاه المعاكس لطموح التغلغل الإسرائيلي في غرب أفريقيا، كانت العامل الأساسي في إثناء لومي عن استقبال هذه القمة حتى إشعار آخر، وهي صيغة أقرب إلى الإلغاء منها إلى التأجيل والإرجاء.

قبل ساعات من هذا الإعلان، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يزهو، خلال حفل في وزارة الخارجية الإسرائيلية، بالانتصارات والاختراقات التي حققتها حكومته في جهات الدنيا الأربع ولاسيما في القارة السمراء، مشيراً إلى أنه «زار شرق أفريقيا وغربها مرتين في أقل من عام، وينتظر أن يعززها قريباً بزيارة ثالثة وقمة تلتقي فيها إسرائيل بأربع عشرة دولة من غرب القارة».

وفي مداخلته المنتشية بفتوحات دولته المظفرة في العلاقات الدولية، لفت نتنياهو الانتباه إلى أن هذه الظاهرة تثبت «خطأ الفكرة الشائعة بأن طريق إسرائيل إلى قلب العالم يمر عبر التسوية مع الفلسطينيين». فالعالم حسب تعبيره يفتح أبوابه لإسرائيل في غياب هذه التسوية.

لا ندري ما إن كان تجدد معالم حائط الصد الأفريقي نسبياً في وجه تل أبيب، التي تجلت في إلغاء قمة توجو، سوف يؤدي إلى عدول نتنياهو عن نظريته. لكن المؤكد أن قطاعاً من الإسرائيليين سيعيد النظر والتأمل، في صحة تقديرات رئيس وزرائهم لحجم الرضا والقبول الدولي لإسرائيل، بمعزل عن سيرورة عملية التسوية مع الفلسطينيين.

والأهم، أن العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة ربما تعين عليهم تجديد الثقة في أن بوسعهم، إذا ما توفرت الرغبة وإرادة الفعل، الاضطلاع بحراك سياسي ودبلوماسي وثقافي وروحي واقتصادي، مفيد لقضاياهم في مواجهة الغرور والتمدد الإسرائيلي على الصعيد العالمي. كيف لا وقد تمكنوا من شطب قمة توجو، وهم على ما هم عليه من منازعات متعددة الأشكال على المستويين الأهلي الداخلي والخارجي البيني.

القصد ألا يستخف العرب عموماً بطاقتهم الظاهرة والكامنة على الفعل والإنجاز، وأن إسرائيل ليست بالطرف المعجز في الأرض، وإنها تعتبر معركتها في الرحاب الدولية وكسب النفوذ معركة صفرية معهم.

فهي لن تكف عن مزاحمتهم ومناكفتهم وتحري سبل التواجد والانتشار في مختلف العواصم والمحافل الإقليمية والدولية، على الرغم من اغتصابها لحقوقهم وفي طليعها احتلال دولة فلسطين بالكامل.

بكلمات أخرى، ستبقى إسرائيل حريصة على الأخذ بنظرية نتنياهو، القائلة بأن العالم لن يقاطعها أو يتوقف عن إلحاقها بأفلاكه، حتى في ظل احتلالها لفلسطين والتنكيل بشعبها وإلقاء حقوقه ظهرياً. وليس بلا مغزى على حصافة هذا التصور أنه قبل انتشار خبر خيبة نتنياهو تجاه قمة توجو، وضمور آماله في توسيع دائرة النفوذ الإسرائيلي في غرب أفريقيا، كان الرجل قد حزم حقائبه وتوجه شطر أميركا الجنوبية للتجوال في كل من الأرجنتين وكولومبيا والمكسيك..

في إطار هذا الحراك المتوالي بلا كلل، تبدو فرص إسرائيل في تجسير الصلة باللاتينيين مساوية لفرصها مع الأفارقة. هناك نشاط صهيوني قديم راسخ وقوي بين يدي مجتمعات أميركا الجنوبية ولاسيما في الأرجنتين، التي اتخذها نتنياهو عامداً منطلقاً لجولته.

غير أن للعرب أيضاً وجوداً بشرياً وقواعد ارتكاز سياسي وثقافي ملموس، أوصل رموزاً منهم إلى قمة صناعة القرار السياسي في بعض هذه المجتمعات.

مؤدي ذلك أن ما نجح العرب في إتيانه، لتحجيم التمدد الإسرائيلي أفريقياً ولو بشكل نسبي بالجوار، يمكن أن يتكرر مع المثل اللاتيني في أقصي الأرض وراء البحار. هذا بالطبع إن صدق العزم وتم التعامل بحكمة وتدبر جماعي معمق مع ملف يملكون فيه الكثير من أوراق الفعل وأدوات التأثير.

نقلا عن “البيان”

مقالات ذات صلة