المنطقة وخيارات البحث عن جبهة أخرى
علي حسن الفواز
المشكلات الدولية الكبرى باتت تحرج الولايات المتحدة الأميركية كثيرا، وتهدد سطوة الرعب التي تملكها، مثلما تهدد قدرتها على حسم الملفات السياسية الأكثر تعقيدا.
ولعل ما يحدث من تصعيد في العسكرتاريا النووية من جانب كوريا الشمالية، واعتراضات خجولة من روسيا والصين دليل واضح على ما يُهدد الغطرسة الاميركية، ويضع حساباتها في سياقات مشوشة، وربما أمام تحديات من الصعبِ السيطرة على ايقاعها.
كما أنّ فشل التعاطي الأميركي مع ملفات الشرق الأوسط يكشف أيضا عن عجز(سياسي – عسكري) في تقدير معطياتها، وفي ترنسة القوى المنخرطة مع التحالف الاميركي في المنطقة، فالانتصارات الكبرى التي حققتها القوات العراقية وبمساندة الحشد الشعبي في الحرب ضد داعش، وفي مناطق ذات حساسيات معينة، يؤكد رضوخ القرار الاميركي لما يمكن تسميته بـ(واقعية الميدان) والذي يعني القبول بما هو حقيقي وفاعل على المستوى العسكري، وكذلك على المستوى السياسي.
كما أنّ تغيّر المعادلات العسكرية في الحرب ضد الجماعات المسلحة على الجبهات السورية واللبنانية، وتقدّم قوات الحكومة السورية في معارك دير الزور وحماة وحمص، وقبلها في حلب يعزز القناعة بأنّ الولايات الأميركية لم تعد تراهن- واقعيا- على الحسم العسكري لاسقاط النظام السوري، وحتى حلفاؤها الأكثر تشددا في دعم الجماعات المسلحة، بما فيها الجماعات الارهابية فقدوا السيطرة على الميدان، وعلى الأفق السياسي، وبات رهانهم ضعيفا على متغيرات مرتبكة، وخيارات سيتم طرحها في اجتماعات الاستانة وجنيف القادمة، وسط تشتتٍ كبير في أوساط (منصات) المعارضات السورية، وهشاشة الدعم المُقدَّم لها من قبل دولٍ تعاني هي الأخرى من التشتت وتداعيات الصراع
الاقليمي.
الحرب عند جبهة أخرى
البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية هو ما تحاول الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي الخروج به للمرحلة القادمة، فما عادت جبهات الحروب الاعلامية والعسكرية والسياسية ذات جدوى في حسم وقائعها، وخيار البحث عن جبهة أخرى صار واقع حالٍ لهذه الدول، والذي يتعلق بالقبول بما هو واقعي، وعقلاني، وقابل للتنفيذ، والذي يعني القبول بسياسة الحوار مع (النظام السوري) والقبول أيضا بوجود الرئيس بشار الأسد في سياق الحكم الرسمي للدولة.
متغيرات الواقع هي أكثر ما يُحرِج الولايات المتحدة، ويضعها في خانة الدولة الداعمة للعنف، على مستوى ملف دعم العنف الاسرائيلي في الارض الفلسطينية، وكذلك على مستوى دعم العنف وجماعاته في المنطقة كورقةِ ضغطٍ وإكراه في التعاطي مع ملفات دولٍ ذات مواقف معادية للولايات المتحدة مثل ايران وسوريا، كما أنّ الملف في اليمن يكشف عن ارتباك السياسة الأميركية في المنطقة.
فشل جبهات الحرب يعني وجود فشلٍ سياسي، أو عطب في الرؤية السياسية للواقع، والذي يفترض اقتراح جبهة أكثر وضوحا وواقعية، وهي جبهة السلام والحوار والقبول بالآخر بعيدا عن خيارات العنف والارهاب، والعمل على إخضاع الآخرين بالقوة، واستخدام (العنف المُفرط) ضد المدنيين تماهيا مع خيارات سياسية وعسكرية لم تعد فاعلة ومقبولة.
إنّ ما تتورط به سياسة الرئيس (ترامب) وما تواجهه من تحديات يكشف عن واقعٍ جديد في المنطقة، وعن أفقٍ يتطلب وعيا مختلفا، وخيارات أكثر سعة، وعن جدية في النظر الى مستقبل المنطقة، بعيدا عن ثقافة التهميش والرعب وتجاوز الآخرين الذين باتوا جزءا حقيقيا في المشهد، وجزءا من حسم ملفاته وقضاياه التي عجزت القوة العاتية عن حسمها.
نقلا عن الصباح