اراء و أفكـار

الإرهاب وضحاياه العرب

محمد عايش

فاجأت صحيفة «الكنفدنسيال» الإسبانية القراء قبل أيام عندما كشفت أن أقل من 1% فقط من عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) تستهدف القارة الأوروبية، على الرغم من أن موجة العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت أوروبا شكلت قلقاً حقيقياً في طول البلاد وعرضها، ودفعت الكثيرين إلى المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة، تضمن عدم تكرار مآسي، مثل هجمات لندن ومانشستر وباريس وبرشلونة.
الأوروبيون يشعرون بالقلق والألم معاً من جراء هذه الضربات، لأنهم أمة مسالمة وهادئة وقررت منذ مئات السنين التخلي بشكل كامل عن العنف، لكن المعلومة التي نشرتها الصحيفة الإسبانية ومفادها أن كل الضربات التي تعرضت لها أوروبا تشكل 0.6% فقط من عمليات «داعش» وأنشطة التنظيم الإرهابية لها الكثير من المعاني والدلائل. الصحيفة الإسبانية أكدت أن تأثير هجمات تنظيم «الدولة» على أوروبا كان محدوداً، حيث قتل التنظيم أكثر من 11 ألف شخص حول العالم خلال العام الماضي، ما يعني أن ضحاياه من الأوروبيين والغربيين لا يزال رقماً صغيراً جداً، ولا يكاد يُذكر أمام هذه المجزرة البشرية الهائلة التي ارتكبها.
الدلالة الأهم لهذه المعلومات هو أنَّ العرب والمسلمين هم الضحية الأولى لظاهرة الإرهاب التي تشكل قلقاً كبيراً للعالم، كما أن المنظمات المتطرفة تستهدف المسلمين أكثر من استهدافها لغيرهم، وإذا كان الأوروبيون قد تم استهدافهم بجملة عمليات محدودة، فإن إسرائيل التي تبعد كيلومترات قليلة عن معسكرات تنظيم «داعش» لم تتعرض لأي من ضرباته ولا هجماته. ما يحدث في العالم هو أن العرب والمسلمين يدفعون ثمن الإرهاب من جهتين، الأولى أنهم أكثر ضحاياه، وهم الذين يموتون بضرباته وتفجيراته. أما الثانية فإنهم يواجهون الحملات العنصرية المتصاعدة التي تتسبب بها العمليات الإرهابية في كل مرة، والتي تشكل عقاباً جماعياً لهم على اعتبار أن النظرة السائدة في العالم هي أن الارهاب «منتج عربي إسلامي صرف».
الدلالة الأخرى المهمة هو أن الحرب التي يخوضها تنظيم «الدولة الاسلامية» لا تستهدف غير المسلمين، كما يحلو له الترويج في أوساط جمهوره وأنصاره، وإلا فما معنى أن يكون أغلب الضحايا من المسلمين الأبرياء، وما معنى الترويج لمعاداة الشيعة الذي يعني في النهاية استعداء ربع أو ثلث الأمة الاسلامية؟
ثمة دلالة ثالثة لحصيلة عمليات وضحايا «داعش»، وهو أن الاستهداف عشوائي وليس مدروساً أو ضمن منهجية معينة، فالعملية تحدث في المكان الذي يمكن الوصول إليه، وليس العكس، بمعنى أنه لا يتم تحديد هدف ومن ثم الوصول إليه، وإنما يتم الوصول إلى الهدف ومن ثم يتقرر تدميره، وحينها يكون مبرر الهجوم هو الوصول إلى المكان وحسب، وهذا بطبيعة الحال ما يُفسر الهجوم الذي استهدف حفلاً فنياً في مانشستر، أو الهجوم الذي استهدف متسوقين في برلين، أو سياحاً في برشلونة.. وقبل هذا وذاك الهجمات التي استهدفت حفلات زفاف في الأردن عام 2005، الذي أدى الى مقتل عدد كبير من المدنيين، جميعهم من المسلمين الأبرياء الذين لا يعرف بعضهم ما الذي يجري في العراق وغيره من بلدان المنطقة (قبل أحداث سوريا بست سنوات).
خلاصة القول هو أن العرب والمسلمين هم ضحية الارهاب الأولى، وهم الذين يدفعون ثمن هذه الظاهرة، وهم الذين يتوجب عليهم مكافحتها فكرياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً، وما يحدث في العالم الغربي ليس سوى شظايا تصل اليهم ممن يتمكن من الارهابيين من التسلل الى هناك، لكن بعض الدول في العالم تُبالغ في الترويج الى نفسها على أنها مستهدفة من أجل تحقيق مكاسب سياسية ليس أكثر.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة