اراء و أفكـار

تحولات سورية

المشهد السوري يتغير سريعاً. الميدان لم يعد كما كان قبل سنوات، والمواقف السياسية الداخلية والإقليمية والدولية من النظام تشهد تحولاً ملحوظاً ما يوحي بأن اللعبة الدولية على الأرض السورية انتهت أو تشرف على الانتهاء. ذلك يتبدى مما نلحظه من اندفاع القوات السورية النظامية في أكثر من اتجاه على اتساع الجغرافيا السورية، وتعظيم الدور الروسي وتراجع الأدوار الأخرى، إضافة إلى ترهل أدوار المعارضة وتفككها وضعفها بمختلف تكويناتها السياسية والعسكرية، وتراجع أو اختفاء المطالبات المزمنة بإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد قبل التوصل إلى التسوية السياسية.
في شهر يونيو (حزيران) الماضي قال السفير الأمريكي السابق روبرت فورد في حديث صحفي «اللعبة في سوريا انتهت.. تأخرت الولايات المتحدة كثيراً.. أوباما لم يترك لخلفه الكثير من الخيارات لتحقيق هدفه». وكشف أنه ارتكب ما وصفه «أكبر خطأ في حياته» عندما ظن نهاية العام 2013 أن المسؤولين السوريين «سيطلبون عفواً ويذهبون إلى الجزائر أو روسيا أو كوبا».
ما حصل خلال هذه السنوات أن روسيا اندفعت بكل قوتها وثقلها العسكري لإنقاذ النظام السوري، وكذلك فعلت إيران وحلفاؤها عندما كانت المحافظات السورية تتساقط تباعاً في أيدي المعارضة المسلحة والجماعات المتطرفة، وضاقت المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام إلى حدود انحسارها في محيط دمشق والساحل.

الاندفاعة العسكرية والسياسية الروسية وتراجع الدور الأمريكي والأدوار الدولية والإقليمية الأخرى مكنا النظام السوري من الصمود وترسيخ أقدامه وتوسيع نطاق سيطرته، وبالتالي القدرة على المناورة من خلال وضع إنجازاته العسكرية ورقة رابحة في المفاوضات السياسية المدعومة بموقف روسي صلب في الأمم المتحدة وفي مفاوضات جنيف والأستانة.

في نظرة على المشهد الميداني والسياسي يتضح أن الجيش السوري استفاد من «مناطق خفض التوتر» التي تم الاتفاق عليها في الشمال والوسط والجنوب وبإشراف عسكري روسي مباشر، وبدأ يوسع نطاق عملياته مستفيداً من برودة الجبهات الداخلية في التوجه نحو معاقل الجماعات الإرهابية في البادية والمناطق الشرقية والجنوبية وصولاً إلى الحدود العراقية والأردنية ويحقق نجاحات ملموسة، فيما باتت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة رهن اتفاقات أمريكية – روسية، أو تخضع لقوى تعمل تحت إمرة الولايات المتحدة (قوات سوريا الديمقراطية بأغلبيتها الكردية) أو لإمرة تركيا (قوات درع الفرات)، وهذه القوات لا تصطدم بالقوات السورية النظامية في إطار «خطوط حمر» غير معلنة.
وعندما يعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تأجيل مفاوضات جنيف التي كانت مقررة مطلع الشهر المقبل بانتظار استكمال «التحولات الإيجابية» على الساحة السورية فلأنه يرصد ويراقب ويتابع المجريات الميدانية وما يتحقق فيها، التي تشكل نتائجها مدخلاً إجبارياً لمباشرة العملية السياسية، والاتفاق على وفد موحد للمعارضة هو أحد مستلزماتها.
والمعارضة السورية بكل منصاتها ليست في أحسن أحوالها، بل على العكس، إذ إن بعضها يعاني خلافات واستقالات وتباعداً في الرؤى والتوجهات تؤثر في التوصل إلى صيغة توافقية يتم الاتفاق عليها، لكنها في نهاية المطاف محكومة بما يستجد ميدانياً وعليها العمل بمقتضى ذلك.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة