اراء و أفكـار

العراق الدبلوماسي

الكاتب:عــلــي حــســن الفــواز

العراق السياسي هو العراق الدبلوماسي أيضا، وهو العراق الأمني والاستثماري، والذي يعني بهذه التوصيفات الكليانية حيازةً إجرائية لشروط الدولة القوية، ولعل الزيارات المفتوحة للمسؤولين العراقيين، وللمسؤولين العرب الى العراق تكشف عن هذه القوة، وعن الأفق الجديد للسياسة.
كما أنها تُعبّر من جانب آخر عن الاعتراف بالحقيقة العراقية الجديدة، وبأنّ العراقيين الذين انتصروا في معارك التحرير قادرون على الانتصار في معارك السياسة والدبلوماسية والأمن.الاجندة الدبلوماسية الناجحة التي تُديرها الحكومة العراقية، وعقلانية سياستها، وعنصر الثقة بالارادة الوطنية، كلُّها عوامل تحتاج الى إدامة، والى شرعنة وطنية جامعة، والى مراجعات خالية من العُقد والحساسيات، إذ إنّ النجاح في إدارة هذه الملفات يعني النجاح في التعاطي مع المستقبل، ومع أزمات المنطقة والعالم بوعيٍ ومسؤولية ومهنية فاعلة، مثلما أنها تؤكد على حقيقة ماينبغي أنْ يكونه العراق السياسي الجديد، العراق المنتصر، والبعيد عن عقد الماضي، والمتطلّع الى مشروعية الدولة المدنية، ومعالجة كلّ الأزمات التي تواجهها بروح تتسع للحوار، ولمواجهة كلّ مظاهر الارهاب والفساد والتخلّف، فهذه المظاهر تلتقي مع بعضها لتكون معوّقات للعمل الدولتي، ولايّ نجاحٍ يخصّ الخدمات الستراتيجية للمجتمع، ولتشويه مسار أية عملية وطنية وديمقراطية، فضلا عن إسهامها في إعادة انتاج الوجوه التي ارتبطت بالفشل والارهاب، وبالأجندات الخارجية التي موّلت الارهاب في العراق منذ العام 2006 وحتى الآن.

العراق والدبلوماسية العربية
الزيارات المتبادلة، والمفتوحة بين العراق والدول العربية، والحديث بصوتٍ عالٍ عن التنسيق مع مؤسساتها السياسية والعسكرية يؤكد فعالية ماهو واقعي، وما ينبغي أنْ تكون عليه السياسة العراقية البعيدة عن المحاور، والقريبة من سياسات الحوار، والالتقاء عند المصالح، وبما يجعل أهداف العمل السياسي والعمل الدبلوماسي هي التأكيد الوطني على هذه المصالح، وعلى الدفاع عن الواقع العراقي الجديد بتنوعه وتعدد مكوناته، والتي تعني بالمقابل دعوة الدول العربية والاقليمية الى ضررورة مراعاة هذا التنوع، وعدم التدخل بشؤون العراق الداخلية، والعمل على مساعدته في تجاوز مشكلاته، ودعم مواقفه في حربه ضد الارهاب والتكفير، والتعاون في تنمية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية، والتخلّص من اعباء (العُقد القديمة) و(الذاكرة السوداء) واستشراف أفق جديد تتفاعل فيه الارادات والمصالح والحقوق، وعلى المستويات كافة. النجاح الدبلوماسي يعني نجاحا سياسيا، ويعني أيضا انتصارا على الارادات الضّالة التي تحاول إثارة الفتن والكراهات، وتغذية ثقافات العنف والتكفير، كما أنّ النجاح الدبلوماسي سيكون عنصرا مهما في تغذية الحوارات السياسية بين دول المنطقة، ومعالجة ملفات الأزمات فيها بدءا من الملف السوري واليمني، وحسم ملف الارهاب وجماعاته، وكذلك الملف المفتوح في منطقة الخليج ذاتها، وانتهاء بفتح قنوات واقعية للحوار بين ايران والمملكة العربية السعودية، وهو ما أشارت اليه الدبلوماسية العراقية، خلال زيارات رئيس الوزراء حيدر العبادي، ووزير الداخلية قاسم الاعرجي الى المملكة العربية السعودية وايران مؤخرا.

الدبلوماسية والخطاب الاعلامي
لايمكن الحديث عن نجاح سياسي أو دبلوماسي من دون الحديث عن نجاح إعلامي، فالتداول الاعلامي مازال للأسف يعيش ذاكرة الأزمة، وهوس الخطاب الطائفي والنزعات التي نجد تمثلاتها في كتابات وأطروحات(البعض) وكأنهم يُغرّدون خارج سرب السياسات الجديدة، أو لأسباب تتعلق بمرجعيات لها رؤيتها في التعاطي مع(هوية الخطاب) الاعلامي، خارج ماهو مُتحقق في المجال السياسي والمجال الدبلوماسي.
إنّ العمل على إعادة النظر في الخطاب الاعلامي لايقل شأناّ عن خطورة ما تمّ النظر فيه على مستوى الادارات السياسية والدبلوماسية، فالجميع يعرف مدى التأثير الذي يصنعه الخطاب الاعلامي، ودوره في صياغة الرأي العام، وفي التعبير عن السياسات والارادات، وفي فتح آفاق جديدة للحديث عن فضاء سياسي عربي يتسع للحوار، والقبول بالرأي والرأي الآخر والمختلف، وبتهيئة الاجواء لنبذ(تاريخ) مصطنع من الكراهيات والأحقاد، والأوهام، وهو ماينبغي أنْ يكون الملف القادم في الفاعلية الدبلوماسية العراقية والعربية، وبما يجعل الأجواء العربية أقل احتقانا، وأكثر استعدادا للمضي في علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية بعيدة عن هواجس الشبهات.

نقلا عن “الصباح”

مقالات ذات صلة