اراء و أفكـار

سراب الحلّ.. في اليمن

خيرالله خيرالله

يبدو أن المأساة اليمنية مرشحة لأن تستمر سنوات عدة أخرى، في غياب القدرة على إيجاد تسوية سياسية بين طرفين معروفين هما «الشرعية» من جهة وتحالف الحوثيين (أنصار الله) والرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى. تستمرّ المأساة على الرغم من وجود محاولة جدّية للوصول إلى تسوية. يقوم بهذه المحاولة إسماعيل ولد الشيخ أحمد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي يعتقد أن في الإمكان تحييد ميناء الحديدة، والانطلاق من هناك نحو انفراج سياسي يحلّ مكان البحث عن حسم عسكري من جانب هذا الطرف أو ذاك.

هناك بلد يموت فيه الأطفال يومياً وتنتشر الكوليرا بسرعة جنونية. هناك بلد لا خدمات من أي نوع فيه، لا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحّياً. إضافة الى ذلك، لا مستشفيات ولا مدارس ولا جامعات ولا زراعة ولا صناعة ولا مستقبل لآلاف الشباب الذين لا يجدون حتّى باباً للهجرة من بلدهم بحثاً عن لقمة العيش في هذا البلد العربي أو غير العربي أو ذاك.

ما الذي يجعل التسوية السياسية في اليمن أقرب الى سراب من أيّ شيء آخر؟ ولماذا يبدو الوضع الراهن قابلاً للاستمرار الى ما لا نهاية على الرغم من كل المخاطر التي تحيق بمستقبل بلد لديه إحدى أقدم الحضارات في المنطقة كلّها؟ 

قبل كلّ شيء، لا يوجد استعداد لدى الحوثيين للتراجع والدخول في لعبة سياسية تجعل منهم طرفاً من الأطراف السياسية في اليمن. يعتقد «أنصار الله» انّهم الطرف الأقوى في المعادلة اليمنية وأنّهم يمتلكون مشروعاً سياسياً يستند إلى «الشرعية الثورية»، وهي شرعية لا وجود لها أصلاً. كلّ ما هناك أن الحوثيين استطاعوا في مثل هذه الأيام من العام 2014 التمدد، انطلاقاً من صعدة، في كل الاتجاهات بعد سيطرتهم على محافظة عمران وطردهم آل الأحمر، زعماء قبائل حاشد منها، بسهولة ليس بعدها سهولة. حصل ذلك في وقت قرّر فيه الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي الوقوف موقف المتفرّج من منطلق أنّه لا ينوي الدخول في مواجهات قد يستفيد منها علي عبدالله صالح الذي يكن له عبد ربّه كرهاً شديداً. بعد ذلك، تابع «أنصار الله» مسيرتهم الى صنعاء التي احتلوها آخذين في طريقهم اللواء 310 الذي كان يحمي باب العاصمة من مناطق مطلّة عليها في عمران. لم يكن القضاء على هذا اللواء مجرد فتح لأبواب صنعاء أمام «أنصار الله» فحسب، بل كان أيضاً هزيمة منكرة للاخوان المسلمين الذين كان قائد اللواء (حميد القشيبي) أحد ممثليهم في الجيش.

ليس ما يدعو «أنصار الله»، المدعومين من إيران، الى القبول بأي تسوية انطلاقاً من تحييد ميناء الحديدة وتسليمه الى جهة تؤمن دخول المواد الغذائية الضرورية والمساعدات الأخرى عبره. بالنسبة إلى الحوثيين، هناك موارد يؤمنها ميناء الحديدة لا غنى لهم عنها. لم يقتنع الحوثيون بعد أنّهم طرف معترف به في الخريطة السياسية لليمن، وأنّ في الإمكان تمثيلهم في أي حكومة مقبلة. ما زالوا يعتقدون أن في استطاعتهم التمدّد على الرغم من خسارتهم اليومية لمواقع في مناطق معيّنة كان آخرها قاعدة خالد أبن الوليد في تعز.

في ظل موازين القوى القائمة حالياً، ليس ما يدعو الى التفاؤل بحل أو بمخرج قريب. هناك طرف يمني يسيطر على صنعاء يعيش في عالم خاص به. لا يهمّه ما يحل باليمن واليمنيين أو بمستقبل الأجيال اليمنية. المطلوب خدمة المشروع التوسّعي الإيراني والتمسّك بشعارات بالية من نوع ما يسمّى «الصرخة»، أي «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود». إيران نفسها تخلّت عن هذه «الصرخة»، فيما الحوثيون يتمسكون بها وبأخذ أهل صنعاء رهينة. أكثر من ذلك، هناك مؤشرات الى أن مرور الوقت يجعلهم الطرف الأقوى في العاصمة اليمنية، حيث لا يزال علي عبدالله صالح الشخص الوحيد الذي يمتلك وزناً سياسياً وعسكرياً، إضافة بالطبع الى شبكة علاقات واسعة تسمح له بالدخول في تسويات. لكن هذه الشبكة التي لا تقتصر على الألوية التابعة للحرس الجمهوري، بل تشمل رجال القبائل أيضاً، بدأت تضيق يوماً بعد يوم بسبب تراجع الإمكانات المالية للرئيس السابق.

لا يعمل الوقت لمصلحة التسوية في اليمن، اللهمّ إلّا إذا حصلت معجزة وحدث حسم عسكري أدى الى سقوط صنعاء. هذا أمر مستبعد في المدى المنظور، خصوصاً أن التحالف العربي الذي يخوض «عاصفة الحزم» يعتقد أنّه استطاع بالفعل تحقيق الهدف الأوّل المتمثّل في توجيه ضربة قوية للمشروع الإيراني.

ما يزيد الأمور تعقيداً، إضافة إلى غياب شخصيات تنتمي إلى «الشرعية» تستطيع لعب دور وطني، انقسام الجنوب على نفسه وبقاء الوضع في الوسط، الذي عاصمته تعز، على حاله.

هل يبقى اليمن أسير جهة لا تمتلك أي مشروع سياسي من أيّ نوع تسمّي نفسها «أنصار الله»؟ هل يبقى أسير «شرعية» لا تستطيع حتّى حماية نفسها في عدن؟ هل يبقى أسير قادة جنوبيين يعتقدون في معظمهم أن مشاكل اليمن بدأت بالوحدة في العام 1990 متجاهلين كلّ المشاهد الدموية التي مرّت على الجنوب، عندما كان دولة مستقلّة بين 1967 و1990 وأن الوحدة كانت نتيجة إفلاس النظام الذي حكم «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»؟

يظلّ البحث عن مدخل لتسوية انطلاقاً من تحييد ميناء الحديدة حلاً منطقياً. لكن المؤسف أنّ ليس هناك منطق في اليمن. غياب المنطق ينطبق على كلّ الأطراف المعنية. يبدأ غياب المنطق الذي يجعل المأساة تتحول الى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة، برفض الاعتراف بأن اليمن الذي كان قائماً لم يعد موجوداً. ما زال الحوثيون الذين بلغوا عدن في مرحلة ما يعتقدون أن لديهم تفويضاً إلهياً يسمح لهم بالعودة الى عهد الإمامة… أما «الشرعية»، فلا يزال فيها من يظنّ أنّ في استطاعته تكرار تجربة علي عبدالله صالح، وهي تجربة انتهت الى غير رجعة يوم انقلب الاخوان المسلمون عليه قبل ست سنوات. هناك دول شبه مستقلّة قابلة للحياة في إطار فيدرالي في اليمن. لا وجود لحل اسمه اليمن الموحّد ولا لحل اسمه العودة الى الشطرين. هل مَن يريد التصالح مع الواقع في اليمن؟

نقلا عن “المستقبل اللبنانية “

مقالات ذات صلة