اراء و أفكـار

ماذا بعد «داعش»؟

نبيل سالم
ماذا بعد «داعش» ؟ ثمة اتفاق دولي، على أهمية التخلص من الإرهاب، ولاسيما إرهاب تنظيم «داعش» الإجرامي، الذي طال الكثير من الدول في المنطقة والعالم، والحقيقة أن إجماعاً كهذا يمثل نهجاً إيجابياً كان على العالم كله أن ينتهجه منذ زمن بعيد، فالإرهاب عندما يستشري وتقوى شوكته لن يبقى حكراًً على دولة أو مجتمع بعينه، وإنما سينتشر كالسرطان في الجسد، مفتتاً أي مجتمع متماسك، ومشكلاً خطراً كبيراً على الأمن والسلام العالمي كله.
وقد عودنا الإرهاب عبر التاريخ، أن أولى ضحاياه هم الذين يصنعونه أو يدعمونه، أو يسهمون في الترويج له بأي وسيلة كانت، وأن شرر هذا الإرهاب قابل للتطاير في كل الاتجاهات.
ولكن السؤال الكبير، هو ماذا بعد القضاء على الإرهاب الذي تسلل إلى منطقتنا، تحت عباءة ما سمي بالربيع العربي، الذي أثبتت الأيام أنه ليس سوى مسرحية، أعدت فصولها بعناية في الغرب، عبر أجهزة الاستخبارات الغربية المختلفة، لنشر ما أطلقوا عليه «الفوضى الخلاقة» بهدف تدمير الدول العربية وتفتيت النسج الاجتماعية فيها، عبر صراعات دموية قابلة للتحول إلى حروب أهلية، تحرق كل ما يأتي في طريقها، وتمهد السبيل لتسييد الكيان العنصري الصهيوني على منطقتنا العربية، بعد تحويلها إلى جزر متناحرة، في حروب قد تستمر لعشرات السنين، لتضاف عقبة جديدة أمام أي إمكانية للتطور، أو نهضة حقيقية تضع أمتنا العربية في المكان الذي يليق بها بين أمم العالم.
ومن يتابع المشهد السياسي المتفجر في معظم الدول العربية، التي طالتها رياح «الربيع العربي» يدرك من دون أي عناء أن هذه الدول ستواجه معضلات أشد خطورة من الإرهاب نفسه، إذا ما انزلقت لا قدر الله نحو الحروب الأهلية، خاصة مع تنامي الدعوات للانفصال هنا وهناك.
وإذا كانت الدول العربية المبتلاة بالإرهاب حالياً تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار، وترميم ما هدمه الإرهاب الأعمى فيها، فإن هذه التكلفة ستتضاعف بالتأكيد لو انزلقت هذه الدول فعلاً إلى ما يخطط لها في أقبية الاستخبارات الغربية، وهو إغراقها في أتون الحروب الأهلية.
زد على ذلك أنه بحجة محاربة الإرهاب، باتت هذه الدول ساحة لصراعات دولية، ومنصة لتصفية حسابات إقليمية وعالمية، فباسم محاربة الإرهاب تدمر المدن، وباسم الشعار نفسه يقتل الناس، وكأننا نحن العرب أصبحنا ساحة لتجريب الأسلحة، والمقايضات بين الدول الكبرى، على حساب الدم والمصالح العربية.

وبإلقاء نظرة سريعة على بعض التقديرات التقريبية لتكلفة إعادة الإعمار في الدول العربية نرى في الواقع حجم تلك المأساة التي وقعت فيها الدول العربية المستهدفة، حيث يؤكد حافظ غانم، نائب رئيس إدارة الشرق الأوسط بالبنك الدولي، إن عمليات إعادة بناء سوريا على سبيل المثال تتطلب 170 مليار دولار، في حين تتطلب إعادة إعمار ليبيا 100 مليار دولار، وما يقال في سوريا وليبيا يقال أيضاً في العراق الذي شهد ويشهد الفصول الأكثر دموية في هذا الإطار.
ويلفت البنك الدولي النظر إلى أنه بافتراض انتهاء الحرب في سوريا غداً فإن إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا ليست ممكنة إلا بعد القيام ببناء المساكن وتمهيد الطرق وإعادة بناء البنى التحتية.
ويحذر البنك من استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، خاصة في ظل تأثير أزمة اللاجئين على دول الجوار السوري، والظروف العالمية من تباطؤ النمو الاقتصادي الذي يؤثر اقتصادياً سلباً على المنطقة.
وإذا ما أخذنا هذه العوامل كلها، إلى جانب الصراعات المحتملة هنا وهناك بعد الانتهاء من الحرب على الإرهاب، أو القضاء على تنظيم ل «إسرائيل» عنوانه الأبرز حالياً، نستطيع القول، إن مستقبلاً قاتماً ينتظر هذه المنطقة، ما لم يتم البحث بشكل جدي في مرحلة ما بعد ل «إسرائيل» أو القضاء على الإرهاب، أي البحث عن حلول سياسية مقنعة، للأسباب التي قادت إلى هذه الأوضاع الكارثية، ولاسيما الاجتماعية منها، بحيث لا تشكل الأوضاع الاجتماعية بيئة خصبة لتنامي التطرف والإرهاب من جديد.
أخيراً وليس آخرا، لابد من القول إن أي اتفاقات أو مصالحات سياسية تتم في أي من الدول العربية، التي غرقت في أتون ما سمي «بالربيع العربي» لا يمكن لها النجاح أو الاستمرار، ما لم تترافق مع إصلاحات مجتمعية شاملة، تضع على رأس أولوياتها توفير الحياة الكريمة للمواطن العربي، لتكون السياج الحقيقي الذي يحميه من الاندفاع نحو التطرف أو الإرهاب، خاصة وأن المؤامرات التي تحيكها الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، لم ولن تنتهي ضد هذه المنطقة، والشعوب التي تعيش فيها، بهدف استمرار الحفاظ على المصالح الاستعمارية في المنطقة.

نفلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة