اخبار العراقاراء و أفكـار

انتصار الولايات المتحدة ضد داعش في العراق يجب أن لا ينتهي بتخلي ترامب عن بغداد

لقمان الفيلي*

عند النظر إلى العراق، يصبح من السهل أن نفهم لماذا كان هذا البلد في طليعة الأخبار العالمية لأكثر من عقد من الزمان اذ يمثل واحدة من أكثر الصور الجيوسياسية تعقيداً في المنطقة.

‎سوف نحاول هنا تحليل وفهم المشهد الأمريكي والتحالف الدولي في سياق العراق ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على الرغم من أننا ربما نحتاج الى سنة للتحرير تلعفر ، وقائم، وحويجة، وجيوب صغيرة هنا او هناك من مناطق التي تحت سيطرة داعش.

‎من وجهة نظر الولايات المتحدة وأعضاء التحالف، فإن تحرير الموصل يعني نهاية كيان الدولة (داعش). وستبقى احتواء الجماعة المسلحة هدفا هاماً للولايات المتحدة، خاصة مع التهديد السابق الذي تمثله في التوسع في لبنان والأردن والمملكة العربية السعودية.

‎إن الولايات المتحدة تعتبر مشكلة داعش من حيث الاعتبارات الجيوسياسية الإقليمية، في حين أن العراقيين ينظرون فقط إلى الوضع من منظور وطني محض أو محلي. بعد تحرير الموصل، قد توجه الولايات المتحدة اهتمامها وتركزها نحو سوريا، حيث تحاول إطاحة داعش من الرقة، مسقط رأس الواقعي للمجموعة، اضافة الى التعقيدات والتداعيات المتوقعة للحرب الأهلية.

‎أما بالنسبة للأمريكيين، فإن المعادلة السياسية العراقية تتصل أكثر بكثير بمدى قربنا أو بعدنا عن حلفائها وأعدائها، مثل إيران، في المنطقة. في الجانب العراقي، فإن عدم وجود رؤية مشتركة تجاه الولايات المتحدة لا يساعد أي من الطرفين على تعزيز علاقتنا. وهذا يطرح السؤال التالي: ما هي طبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن فيما بعد – بما يشمل التعاون الأمني والعسكري والسياسي – بعد تحرير الموصل؟

‎لن تنتظر الولايات المتحدة أن يقدم العراق جوابا على هذا السؤال، ولكنه ستعمل بهدوء على دفع البلاد نحو الأمن والاستقرار السياسي، خاصة وأن الولايات المتحدة تعرف مدى الخلاف الناجم عن احتلال داعش، وقبل ذلك لعقد من الزمن والتمرد الطويل.

‎وبالمقارنة مع التقدم العسكري في العراق، فلقد توقف الخطاب السياسي الحالي عن الحركة. ويرجع ذلك إلى رؤى داخلية وجيوسياسية مختلفة داخل الساحة السياسية للبلد. ويعكس هذا الضعف عمق التعقيد واتساع نطاق الأطراف المعنية. يرى أصحاب المصلحة تحرير الموصل مفترق طرق يقسم بين تاريخ صعود تنظيم داعش والسياسة التي شجعت انتشاره من جهة، ومستقبل العراق في سياق رغبة داعش وتصميمها على زيادة نفوذها في البلاد.

‎وللحماية من عدم إحياء داعش مرة اخرى، يجب على الحكومة العراقية والأمم المتحدة والدول الصديقة مثل الولايات المتحدة وإيران أن تركز الحوار حول توحيد الرؤى بين مختلف الأحزاب في العراق. ومع العلم بأن البنية التحتية ومصادر الطاقة في المناطق الغربية (الأراضي السنية) ضعيفة سيجعل السعي لتقسيم العراق إلى وحدات اتحادية عكسية. من المهم أن نتذكر أن القوة السنية تكمن في كون العراق دولة موحدة ومتماسكة، وكذلك بالنسبة للأكراد ومشروع استقلالهم. وتشعر الحكومة العراقية بآثار الاستنزاف عليها نتيجة مكافحتها للإرهاب، فضلا عن مواجهة تحديات شديدة (أمنية وسياسية واقتصادية) تحد من تركيزها على عدد قليل من الأولويات.

‎وفيما يتعلق بالتوترات الأخيرة بين العراق وتركيا وتدخل أنقرة في العراق، فإن احتواء النهج التركي التوسعي قد يكون محور تركيز الولايات المتحدة. وهي تدرك أن التقلب السياسي في تركيا سيكون له تأثير مباشر على مسار الأحداث خلال تحرير العراق وسوريا من داعش. هنا ستحاول تركيا توطيد وجودها العسكري لتكون لاعبا دائما في النقاش العراقي والسوري حول الموصل ومدن أخرى مثل الرقة، بسبب وجهة نظرها بأن حزب العمال الكردستاني (التركي) يشكل تهديدا لأمنها القومي.

‎إن قوة مقاتلي البشمركة في تحرير الموصل ستكون عنصرا إيجابيا في توطيد العراق ووحدته، ولكن استعدادهم للتعاون مع بغداد في السيطرة على المناطق التي حرروا منها داخل الصراع والمناطق المتنازع عليها سيعتمد على مدى يذهب إلى تحقيق هدفهم النهائي: كردستان مستقلة. وهنا فرصة ذهبية للقيادة الكردية في العراق للعمل مع العراقيين الآخرين للبناء على أسس استراتيجية جديدة ذات فائدة متبادلة مع الحكومة المركزية وجميع مجتمعات البلاد. هل سيكون التعايش والتنمية المشتركة مع الجنوب مشروعها؟ أو أنها سوف تراهن على المزيد من الخنادق التي يجري بناؤها، مما أدى إلى معادلة مجموعة صفر؟

‎إن مشاركة قوات البشمركة الكردية في تحرير مقاطعة نينوى ستعزز الدعم الدولي لقضية الأكراد، خاصة داخل الكونغرس الأمريكي. وسيكون جميع العيون الكردية على واشنطن العاصمة بعد استفتاء استقلال أيلول لرؤية الحرية والمناورة التي ستمنح اللاعبين الكرديين على الساحة العالمية.

‎ولا تزال الجيوسياسية عاملا هاما داخل العراق والمنطقة؛ هنا يجب على الولايات المتحدة والرئيس ترامب ألا يغيب عن بالها ذلك.

كان لقمان الفيلي هو السفير العراقي لدى الولايات المتحدة بين عامي 2013 و 2016. كما عمل سفيرا للعراق لدى اليابان في الفترة من 2010 إلى 2013.

مقالات ذات صلة