اراء و أفكـار

كوريا الشمالية وإيران.. ثنائية تصعيد التوتر

روسيا تلعب ذات الدور في سوريا مع كوريا الشمالية بترسيم علاقاتها مع الولايات المتحدة بالتفاهمات حول مناطق تخفيف التوتر، وإجبار الآخرين على الاعتراف بها كدولة محورية للضغط على الدول المعنية.

التعصب الأعمى، ماذا ينتج لنا ولعالمنا غير هذا الإرهاب المطلق الذي من المستحيل إعادته إلى مدارج العقل والتفكر والتأمل؟ خاصة إذا ارتبط بالتقديس والعصمة من الخطأ رغم أنه لم يعد جزءا من مخيلة أو رؤى أو مشروع في طور التنظير، إنما تحول إلى ممارسات من الرعب والموت والجرائم الكبرى والإبادات بحق التجمعات الإنسانية.

داعش في الواجهة مثال على انغلاق وسبات وتخدير وانقياد خلف عنف مركزي يرفض أي تبادل معرفي أو توجه نحو الحقائق ومتغيرات البحوث والعلوم وما كشفته البشرية عبر رحلتها من زيف الأكاذيب التاريخية، وفي مقدمتها مثلا القول بمركزية الأرض ثم تقبل فكرة كرويتها ودورانها أو رحلتها حول الشمس وحول محورها، كم من الأعوام استغرقت تلك البديهيات لتنتمي إلى المقبول والمعقول وتختفي من عالم الجدل والأساطير؟

القوة تفرض سلطتها لتُشيد من تعصبها وحماقاتها قوة مقدسة لارتباطها برجل دين أو نزعة مذهبية وطائفية، ومثالنا الحشد الشعبي في العراق الذي يعلن عن تبعيته للحرس الثوري الإيراني بفخر واعتزاز وتقديس رغم أنه ارتكب الانتهاكات بحق المدن المستباحة من داعش وأطبق عليها تنكيلا وحصارا ومهانة وخطفا وتعذيبا. الإرهاب هل سيستمر طويلا إلى أن يكمل مشواره في خدمة مقدساته وتعصبه دون الالتفات إلى تجارب الأجيال المتعاقبة وما مرت به من حروب وأزمات ومآس لم تتوقف إلا بالخسائر الجسيمة والندم لأعوام طويلة أو لقرون.

الأمر لا يقتصر على المجموعات والميليشيات المتطرفة المسلحة التي استغلت حالة الفراغ الأمني بعد 2003 في العراق لتنفذ أجنداتها الفردية كزعماء أو مجاميع مذهبية تحركها الأحزاب السياسية المفروضة على الشعب العراقي، بحكم عملية سياسية مرتهنة تماما لنظام الولي الفقيه الإيراني وبإرادة الإدارة الأميركية للرئيس باراك أوباما الذي قايض مستقبل العراق والمنطقة باتفاق البرنامج النووي الإيراني مع دول 5+1.

الواقع تعدى إلى جرد حساب بأثر رجعي لما تورطت فيه إيران بعد ثورتها عام 1979 بصادراتها كدولة أولى راعية للإرهاب في العالم، وما التقت عليه أهدافها مع سياسات دول مماثلة، تختلف في الأيديولوجيات لكنها تلتقي على إثارة الفوضى ودعم الإرهاب وخلق بؤر التوتر وصناعة المناطق الرخوة القابلة للمداخلات وتصعيد الأزمات، كما هو حاصل في التحالف بين أنظمة الحكم في إيران وكوريا الشمالية وسوريا.

هذه الأنظمة تلتقي كثيرا في طباعها ومناهجها وأساليب إدارة الحكم فيها وقمعها واضطهادها لشعوبها وفي تجاربها أيضا، نستطيع تلمس أوجه التشابه في نوع الأداء والخطوات، لأن بعض مفاصل سيرة التطبيق جاهزة فكرا وتجربة كما في تجربة كوريا الشمالية وشواهدها في سوريا قبل ثورة الشعب السوري في 2011 وما بعدها.

الآلاف من الخبراء في مجالات الأمن والاتصالات وسلاح الصواريخ من كوريا الشمالية في خدمة النظام السوري الحاكم، كتائب من قوات المغاوير وهي من قوات النخبة المسماة بـ”تشوليما”، أما الزعيم الكوري كيم جونغ أون وهو حفيد الزعيم المؤسس كيم أيل سونغ، فلا يخفي دعمه للنظام حتى أنه يقول إنها حربنا في سوريا وإنه قطعا لن يسمح بهزيمة الحاكم السوري. في صيف 2015 عبر النظام الحاكم في سوريا عن امتنانه للدور الذي لعبته كوريا الشمالية في قمع فصائل الثورة المسلحة وذلك بافتتاح شارع وحديقة وساحة في دمشق تكريما لكيم أيل سونغ.

مع إيران التعاون بين البلدين يأخذ مديات أبعد تتعلق بالسلاح النووي والصواريخ الباليستية. في المجال النووي هناك المئات من الفنيين والتقنيين الكوريين يعملون في المنشآت النووية، وكوريا الشمالية هي التي جهزت المفاعل النووي الإيراني بما يحتاجه من أجهزة وأدوات ومواد، وهو ما فعلته مع سوريا سريا في بناء مفاعلها النووي، ونحن في العراق لا ننسى الإمدادات العسكرية التي شملت كافة أنواع الأسلحة إلى إيران في سنوات الحرب ضد العراق والتي أطالت من أمدها.

رحلة كوريا الشمالية في إنتاج الأسلحة النووية تمخضت عن 5 تجارب والسادسة في الطريق وهي مثار قلق دولي ارتقى إلى التهديد الأميركي من إدارة الرئيس دونالد ترامب بتحريك حاملة طائرات وبوارج حربية مع سرب طائرات انتقل إلى قاعدة في اليابان، تزامن ذلك مع إطلاق تجارب لصواريخ باليستية تسعى كوريا الشمالية لزيادة مداها لتصل تحديدا إلى الأراضي الأميركية، رغم أن بعض التجارب كانت فاشلة لكن التجربة الأخيرة في يوم 4 يوليو وهو يوم الاستقلال الأميركي أرادت منها بيونغ يانغ تحدي التحذيرات الأميركية بإعلانها عن مديات يبدو أنها غير دقيقة وتوخت منها الترويج لنجاح صاروخها الباليستي العابر للقارات، أي بالمديات طويلة المسافات والارتفاعات.

روسيا من جانبها أبلغت مجلس الأمن أن الصاروخ الباليستي كان من الصواريخ متوسطة المدى في إشارة تطمين إلى الولايات المتحدة تمهيدا لتمرير مبادرة روسية صينية لتخفيف التوتر في شمال شرق آسيا، وذلك بتعليق التجارب الصاروخية بالتزامن مع إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين أميركا وكوريا الجنوبية.

ألا يذكرنا فشل الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، وتصويب روسيا لمدياتها، بتجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية داخل إيران والصور المفبركة لعملية إطلاق سابقة؟ وكذلك ما أطلقته من صواريخ مؤخرا باتجاه مدينة دير الزور السورية والتي أكدت مصادر الرصد الجوي سقوط عدد منها في أماكن مختلفة بعيدا عن أهدافها؟ ألا يعني ذلك تقاربا علميا وتجريبيا مع ما وصل إليه المشروع الكوري الشمالي لإنتاج الصواريخ؟

لماذا لا تتسع الرؤية إلى التجارب النووية وترسانة أسلحتها على قلة عددها في كوريا الشمالية؟ ماذا لو كان الخزين ثنائي الملكية بين كوريا وإيران وإن اختلفت الأرض؟ وهل بالإمكان نقل الخبرات والتقنيات لإعادة تصنيع السلاح النووي الإيراني بأسرع مما تتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ للتذكير فقط إن أميركا في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر توصلت إلى اتفاق مع كوريا الشمالية مشابه لما حصل مع النظام الإيراني في عهد الرئيس باراك أوباما؛ ومع تقلب الأحوال بين تفاهم وتعاون ثم تهديدات متكررة تم صنع وتجريب السلاح النووي في نهاية الشوط. إيران في ذات السياق وفي اللحظة الحاسمة، لحظة الامتلاك ستتمرد وتعلن انسحابها كما فعلت كوريا الشمالية من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

المناورة والالتفاف سياسة مشتركة بين أنظمة إيران وكوريا الشمالية وسوريا، فالأسلحة وتنوعها في خدمة الأنظمة وضد شعوبها أولا ولحماية الأيديولوجيا بتعصب أعمى بكل المقاييس، تحيط بهم الأكاذيب والتفريط تماما بحياة الناس ورغبتهم في التقدم والرخاء، ويكفينا أن نتطلع إلى عمق الفروقات بين الكوريتين لنتبين مدى العناد والإصرار على حماقة عزل الشعوب عن العالم في زمن الانفتاح وثورة المعلومات والحريات والاتصال والتجارة الدولية والتجارة الحرة بين الدول.

روسيا تلعب ذات الدور في سوريا مع كوريا الشمالية بترسيم علاقاتها مع الولايات المتحدة بالتفاهمات حول مناطق تخفيف التوتر، وإجبار الآخرين على الاعتراف بها كدولة محورية للضغط على الدول المعنية. سياسة وجدت لها موطئ قدم في هامش لقاء القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ما يتعلق بسوريا. أما كوريا الشمالية فرغم ما صدر من زعيمها من كلمات وما رد عليه ترامب في وارسو قبل انعقاد قمة مجموعة العشرين إلا أنها كانت إشارات مفزعة للعالم برمته. أكثر من دولة ترى في الصين وروسيا دول ضغط على كوريا الشمالية؛ العالم سيتفرغ لمكافحة كل أنواع الإرهاب ومصادره وأنظمته.

كاتب مغربي

حامد الكيلاني

مقالات ذات صلة