اراء و أفكـار

العراق والتحديات القادمة

مع تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي، يمكن القول إن صفحة مهمة طويت، لأنه تم اقتلاع إحدى قلاع الإرهاب، و«عاصمته» المزعومة، وتم تفكيك خرافة «الخلافة» التي باتت أثراً بعد عين، وصار جنودها إما تحت التراب أو مطاردين في الفيافي والقفار يبحثون عن ملجأ أو سرداب، أو يخططون لفعل إرهابي شائن يقضي على بعض الأبرياء الذين استأسدوا عليهم ومارسوا بحقهم مختلف أشكال الفجور والأعمال التي تدعو إلى الغثيان.
صفحة واحدة طويت لأن هناك صفحات مواجهة أخرى تنتظر، بعضها يحتاج إلى جهد أمني وعسكري لتنظيف العراق من بعض الجيوب «الداعشية»، وهذا أمر يحتاج إلى بعض الوقت فقط، لأن القوات العراقية أتبثث قدرتها وجدارتها في ميادين القتال وفي أصعب ظروف المواجهة، وبعضها سياسي لاستعادة وحدته وسيادته، وبناء دولة المواطنة الحقيقية وتكريس انتمائه العربي الطبيعي كركن أساسي من أركان العمل العربي، وبعضها الآخر له علاقة بإعادة بناء ما هدمه الإرهاب، وهذا وحده يحتاج إلى جهد غير مسبوق. فالدمار الذي لحق بالمدن العراقية مهول وقد طاول الحجر والبشر، ولا بد بالتالي من مشروع إعمار هائل يتناول كل مناحي الحياة التي أصيبت بالخراب والعطب منذ وطأ الاحتلال الأمريكي أرض العراق عام 2003 إلى حين دخول الإرهاب عنصر تدمير وتخريب وتكفير ومارسته أعمالاً عدوانية وسادية لا نظير لها.
لكن المهمة العاجلة التي يجب المباشرة بها الآن يجب أن تتمحور حول استثمار انتصارات الجيش العراقي وسط تأييد شعبي غير مسبوق من أجل إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداً، وتفكيك كل عوامل الانقسام والتفرقة التي زرع الاحتلال بذورها، وأخطرها وضع حد نهائي للمحاصصة الطائفية، وتكريس المواطنة والمساواة ودولة القانون، واقتلاع الفساد الذي نما وعشش في مختلف المؤسسات والإدارات، والقضاء على المحسوبيات الطائفية والحزبية والعشائرية التي تلوذ بنفوذ قوى نافذة محسوبة على هذا الطرف أو ذاك.
إن كل التضحيات التي قدمها الشعب العراقي وجيشه ومختلف قواه الأمنية في كل مواقع المواجهة مع الإرهاب، وتلك التضحيات القادمة التي تنتظر، يمكن أن تذهب سدى إذا لم تنطلق الآن ورشة عمل كبرى لتضميد جراح العراقيين من جراء سنوات عجاف من الفرقة والتشرذم والاصطفافات الطائفية والمذهبية المقيتة، من خلال مشروع وطني متكامل يشارك فيه كل أبناء العراق، قوامه وطن واحد لكل العراقيين، يتساوى فيه الجميع على قاعدة الهوية الوطنية الجامعة، ويكون المكون الكردي أحد عناصره الأساسية كمواطنين عراقيين متساوين في الحقوق والواجبات، شرط أن يتخلوا عن أحلام الانفصال والاستقلال، وعن رهانات خاسرة أثبتت التجارب أنها مدمرة لهم ولإخوتهم العراقيين.
لعل دروس الاحتلال ومآسي الإرهاب تكون كافية كي يخرج العراق إلى العالم وطناً جديراً بالحياة، ولديه من القدرات والإمكانات ما يكفي ويزيد كي يستعيد دوره الوطني والعربي..

مقالات ذات صلة