اراء و أفكـار

بريطانيا بين الحرية ومحاربة الإرهاب

قد تكون الانتخابات البريطانية التي تجرى اليوم لاختيار برلمان جديد، مفصلية سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، نظراً لتعقيدات المرحلة التي تعيشها بريطانيا، خصوصاً في ضوء خروجها من الاتحاد الأوروبي، والتكلفة المالية والاقتصادية لهذا الخروج، إضافة إلى خطر الإرهاب الذي يجتاحها، ودولاً أوروبية أخرى. وكانت العمليات الإرهابية التي ضربت مدينتي مانشستر ولندن، مؤخراً، نذيراً باحتمال وقوع المزيد من هذه الأعمال، ما يقتضي تغييراً في استراتيجية مواجهة الإرهاب، وتعديلاً في السلوك السياسي الذي مورس على مدى السنوات القليلة الماضية، وساهم إلى حد كبير في تنامي، واتساع مخاطره من جراء غض الطرف عن جماعات إرهابية اتخذت من بريطانيا ملاذاً، ومعقلاً كما هو حال «جماعة الإخوان».
هذه القضايا تصدرت الحملات الانتخابية، خصوصاً بين حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وحزب العمال بزعامة جيريمي كوربن، وشكلت محور استقطاب الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم اليوم، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقلص الفارق بين المحافظين والعمال إلى أربع نقاط بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف مدينة لندن، واستغلال كوربن له، متهماً الحكومة بالتقصير، ومنتقداً تناقص عدد أفراد الشرطة منذ العام 2010، و«طمس تقرير بشأن التمويل الأجنبي للمجموعات المتطرفة، الذي أنجز في بداية العام 2016 لكنه لم ينشر».
إذا فاز حزب المحافظين، كما تشير استطلاعات الرأي، فهذا يعني أن إجراءات أمنية جديدة تنتظر البريطانيين. فقد أعلنت رئيسة الحكومة يوم أمس الأول، أنها ستغير قوانين حقوق الإنسان إذا كانت «تعترض طريق» التعامل مع المشتبه فيهم في كونهم إرهابيين. هذا القول يعني أن بريطانيا سوف تشهد مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب تفرضها الضرورة، لئلا تبقى البلاد ساحة للإرهاب يسرح ويمرح فيها، ويمارس أبشع الممارسات بحق المدنيين. وفي مثل هذه المعركة فإن المواطن البريطاني عليه أن يختار بين أمنه، وسلامته، وحقه في الحياة، وبين التخلي عن بعض حقوقه التي رسختها الديمقراطية البريطانية.
لا شك في أن المواطن البريطاني الذي شكلت الحرية جزءاً من منظومته الفكرية والقيمية، سوف يجد نفسه أمام واقع جديد، وأمام سؤال مصيري هو: أيهما أفضل له، أن يبقى رهينة حالة الخوف والرعب، أم أن يتخلى عن بعض ما اعتاد عليه في حياته من حرية، هي جزء أساسي من حقوقه؟ أمام هذين الخيارين لا بد أنه سيختار الثاني، ولو مؤقتاً، كي يكون شريكاً في اجتثاث شأفة الإرهابيين الذين يستغلون مساحة الحرية الواسعة في بريطانيا لممارسة أفاعيلهم الإرهابية التي تتناقض بالمطلق، مع حرية الإنسان وحقه في الحياة.
أما حملة أحزاب المعارضة، على ما صدر عن رئيسة الوزراء، فهي تدخل في إطار الحملة الانتخابية السياسية والمزايدات التي تسبق عادة العملية الانتخابية، وهي في كل حال جزء من الممارسة الديمقراطية. وذلك لا ينفي أن بريطانيا تحتاج إلى تشديد الإجراءات والقوانين الداخلية لضرب الجماعات الإرهابية التي لن تتوانى عن تكرار ما فعلت في لندن ومانشستر.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة