اراء و أفكـار

هل يرحل بوتين من سوريا ؟

لأول مرة اتهم فلاديمير بوتين رئيس النظام السوري بشار الاسد بارتكاب أخطاء، لكنه لم يصل الى حد مطالبته بالتخلي عن الحكم. وكعادته، لا يلقي «القيصر» الكلام على عواهنه، بل يقصد كل كلمة وحرف يصدران عنه.
هذه العبارة التي قالها لمحطة «سي. إن. إن»، تشي بأمور كثيرة من بينها ان بوتين خاب امله ببشار وبالتسوية المستحيلة في سوريا، في وقت تشير فيه تقارير روسية الى ان الرئيس الروسي قد يتخذ قرارا استراتيجيا بعد انتخابات مارس 2018 الرئاسية، بالرحيل عن سوريا، ولكن مع الابقاء على قاعدتي طرطوس وحميميم تحت سيطرة موسكو وتوفير الحماية المناسبة لهما.
لم يقل احد هذا على وجه التحديد، لكن تأكيد بوتين للمحطة الاميركية انه لا يهتم بالأسد لشخصه، هو قول يحمل معاني متعارضة. وإذا كان تدخل روسيا العسكري قد خلق دويلة عميلة في دمشق، فإن سوريا بمجملها اليوم دولة ضعيفة جدا ومتأرجحة، وتحتاج الى دعم عسكري وسياسي اذا وضعت الحرب اوزارها، دون ان نجد دليلا واحدا على اتجاهها نحو ذلك.
ولكن ما تفعله روسيا لم يعط شيئا على صعيد التسوية، فجنيف الثامنة والآستانة العاشرة تدلان على استحالة تحقيق شيء، ذلك ان كل الامور تدور حول نفسها. ولقد ادرك بوتين ذلك، لكنه لن يقدم على شيء الى ما بعد نتائج انتخابات 2018، مكتفيا الآن بالنظر حزينا الى فشله الكبير الذي ظهر عندما عجز عن الفصل بين الارهابي وغير الارهابي، وعندما لم يتمكن من فك خطوط السيطرة المتشابكة جدا بين المتقاتلين، ما يجعل التوصل الى وقف عام لوقف النار امرا مستحيلا بوجود اعداد لا تحصى من المجموعات ذات النزعة الجهادية.
وكما تقول صحيفة «موسكو تايمز»، يظل وضع دمشق العسكري مقلقا رغم مكاسبها المناطقية، فهي تعاني من نقص خطير في القوى العاملة والمقاتلة، كما لا تتوافر في القصر وما حوله سلسلة قيادة حازمة.
وفي الوقت الذي لا يتوقع فيه احد ان يعرض الاميركيون والعرب اي تسوية تقبل بها موسكو وطهران ودمشق، فإن الامر المؤكد ان بوتين يستعجل الرحيل ولكن بشروط.
فهو لا يريد إطلاقا ان يحرجه الاميركيون عسكريا إذا تحدوه في سوريا، حيث تستطيع الولايات المتحدة بسهولة ضمان الهيمنة هناك في حالة التصعيد مما يجمد موسكو ويمنعها من قصف اي هدف او موقع لا تريد واشنطن ان تتم مهاجمته.
16 % فقط من الروس يدعمون حرب بوتين في سوريا لكن المدهش ان 80 % من الشعب معجب برئيسه، إلا اذا كان هناك تلاعب ما بنسبة الشعبية على الاقل.
وفي كل الاحوال، ليس ثمة توازن في المصالح بين موسكو ودمشق، حيث ان اللاعبين الآخرين مثل واشنطن وطهران وأنقرة، على صلة تاريخية بالروس، وهو امر لا يملكه السوريون تقليديا.
في النهاية نقول إن تدخل بوتين الفاشل في سوريا اثبت امرا واحدا وهو قدرته على نشر قواته الى ما بعد الجيران المباشرين. قد يدفعه ذلك الى فك ارتباطه بدمشق والرحيل دون تسوية وترك الامور للغرب والعرب والاتراك!

بقلم : مازن حماد

نقلا عن “الوطن القطرية”

مقالات ذات صلة