قرار الضرورة
عندما يقرر الرئيس الأمريكي عدم نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى مدينة القدس المحتلة؛ فذلك أمرٌ حسنٌ ويستوجب التنويه، خصوصاً أن هذه المسألة احتلت حيزاً مهمّاً خلال حملته الانتخابية قبل وصوله إلى البيت الأبيض، إذ كان وعد بنقل السفارة فور انتخابه الأمر الذي هلل له المسؤولون «الإسرائيليون» واعتبروه تحولاً مهماً في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، كما اعتبرته المنظمات الصهيونية المؤثرة داخل الولايات المتحدة انتصاراً لجهودها في تحول الولايات المتحدة بالمطلق باتجاه الأخذ بالمصالح «الإسرائيلية» والتخلي عن سياسات التردد التي اتخذتها الإدارات السابقة، وخصوصاً إزاء مدينة القدس التي يعتبرها الكيان «عاصمته الأبدية».. وتعتبرها الشرعية الدولية مدينة محتلة كما بقية الأراضي الفلسطينية.
انتظر الفلسطينيون والعرب الخطوة التي سيقدم عليها الرئيس ترامب بشأن موقفه من المدينة، في ظل إشارات متضاربة صدرت عن مسؤولين أمريكيين في هذا الصدد ما زاد من الغموض والترقب، وتحديداً بعد زيارته الأخيرة إلى المنطقة ولقائه بالمسؤولين العرب والمسلمين خلال قمم الرياض، ومن ثم زيارته للكيان والضفة المحتلة، حيث خرجت مواقف أمريكية ملتبسة لم تقدم ما يمكن الاعتداد به من سياسات أمريكية واضحة بشأن الموقف من عملية التسوية وشروطها، إذ ظلت المواقف مبهمة بانتظار الموقف من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كي تتضح ملامح هذه السياسة، إلى أن صدر يوم الخميس الماضي قرار تأجيل عملية النقل لمدة ستة أشهر أسوة بما دأب عليه رؤساء الولايات المتحدة منذ العام 1995.
هنا يمكن النظر إلى القرار من زاويتين، الأولى أن ترامب أدرك أن قرار نقل السفارة ليس في مصلحة الولايات المتحدة في هذه المرحلة حيث يخوض العالم معركة ضد الإرهاب، وأن قراراً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس سوف يقوّض الجهود المشتركة مع الدول العربية والإسلامية في هذا الخصوص، وهو على ما يبدو أدرك ثانياً مخاطر مثل هذا القرار، وهو يعرف أنه لا يلقى هوى لدى القيادات «الإسرائيلية»، وبعض أركان البيت الأبيض من مؤيدي «إسرائيل» لكنه فضل أن يمسك العصا من الوسط، بإعلان البيت الأبيض أن هذا الأمر هو «مجرد تأخير وليس تراجعاً عن القرار»، أي أن ترامب لا يزال ملتزماً بوعد عملية النقل لكنه قرر تأجيله خوفاً من عواقبه السلبية في مجرى علاقاته مع الدول العربية والإسلامية خشية استفزازها وبما يعيق عملية الحرب على الإرهاب التي قال إن لها الأولوية الآن، وهو لا يستطيع المشاركة فيها من دون دعم عربي وإسلامي واضح وفقاً لبيان الرياض.
بهذا المعنى يمكن فهم قرار عدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بأنه قرار الضرورة المؤقتة وليس قرار القناعة.
صحيح أن القرار ترك ردود فعل سلبية في «إسرائيل» لأنها كانت تستعجل عملية النقل لتأكيد أحقيتها بالقدس ك«عاصمة أبدية»، وكي تكون الولايات المتحدة رأس الحربة في تحقيق هذا الهدف، لهذا شعر بنيامين نتنياهو ب«خيبة أمل»، لأن قرار التأجيل «يساهم في إحياء الأوهام الفلسطينية، وكأنه ليست للشعب اليهودي ودولته أية علاقة بالقدس»، لكن الصحيح أيضاً أنه أبقى الباب مفتوحاً على الوفاء بتعهد النقل في أي وقت كان، طالما أنه كان متبوعاً بالقول «أن القرار هو مجرد تأخير وليس تراجعاً».
نقلا عن “الخيلج”