اراء و أفكـار

المطرقة الأميركية والمسمار الإيراني في سوريا

دولة الفقيه تعتبر المشاركة في الصراع السوري جزءا من حماية أمنها القومي، وخروجها منافيا لسياستها الأيديولوجية التي تقوم في الأساس على التمدد في مناطق بعيدة، وعدم السماح للخصوم بالاقتراب من حدود الدولة.

تبدّلات المشهد العام وتوالي القرارات للإدارة الأميركية الجديدة للحدّ من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، يشيران إلى متغيرات حادة في السياسة الأميركية أهمها إسقاط مقولة أن الإرهاب السنّي هو الإرهاب الوحيد الذي يستهدف الغرب ويهدد أمنه ومصالحه، والتي وضعت إيران ضمن قائمة الإرهاب والسعي لتحجيم دورها العسكري في مناطق الصراع.

التصعيد في التوجّهات الأميركية الذي كان مستبعدا في السابق يشكّل خطورة فعلية على إيران، إلا أنها رغم هذه الخطورة مازالت تحرص على تأكيد دورها الرئيسي الداعم للنظام السوري في معاركه ضد المعارضة، والذي بدا واضحا في التغطية الإعلامية المكثفة سواء للزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى ريف حماة الشمالي في مارس الماضي، أو في صفقة “المدن الأربع” بين إيران وحزب الله وجيش الفتح، والتي تقضي بإخراج المدنيين والمسلحين من المناطق التي يتبادل الطرفان محاصرتها، والتي تعتبر نوعا من الرد على التصريحات الأميركية بتقويض الوجود العسكري الإيراني، وتظهر أن إيران غير مبالية بتصريحات واشنطن أو بما أقرّته من عقوبات.

ولكنها أقدمت على القيام بمتغيّرات “جزئية” في التوجهات الإيرانية لا تمتّ بصلة لخروجها من سوريا، وإنما تفاديا للأزمات الداخلية والخارجية وعلى رأسها قرار حزب الله الذي أعلن عنه في ذكرى تصفية القيادي مصطفى بدرالدين عن تفكيك وحداته العسكرية على الحدود السورية الشرقية، والتي فسّرها البعض -رغم وجود حزب الله في الداخل السوري- كخطوة استباقية للترتيبات التي ستشهدها المنطقة، والتي لن تسمح له بالاستمرار في سوريا في ظل التمسّك الأميركي بضرورة إنهاء الدور الإيراني في سوريا.

إلا أن هذه الخطوة “القاصرة” كانت مسبوقة بإعلان إيران في 30 مارس الماضي عن تشكيل ميليشيا جديدة شبيهة بالحشد الشعبي تحت مسمّى “فوج عشائر منبج/ رعد المهدي” بقيادة معمر الدندن الملقب أبوالفاتح، وبحسب بيان التشكيل فإن الميليشيا الجديدة تضم ما يقارب 37 ألف شاب سوري من حلب وريفها من كافة الطوائف من الذين تلقوا التدريب على أيدي “الضباط والحجاج والأصدقاء”، وأشارت إلى أن هدفها هو “الانتشار في كافة الأراضي السورية بما فيها لواء إسكندرون والجولان”.

وقد أعلنت القيادة العامة للجيش السوري عن تنظيم العناصر من العسكريين والمدنيين الذين يقاتلون مع الميليشيات الإيرانية ضمن “أفواج الدفاع المحلي”، لتكون تحت مظلة القيادة العامة للجيش السوري، وبالتالي تم تقديم الغطاء القانوني اللازم للميليشيات المقاتلة مع الجانب الإيراني.

الخطوات الأميركية تجاه إيران رفعت كثيرا من شأن التوقعات، فكثرت التحليلات التي تسعى لإعطاء الانطباع بأن إيران ربما تفكّر في الخروج من سوريا، منها ما هو مسنود بتصريحات واشنطن عن ضرورة خروج إيران، وتحميلها أكثر مما تحتمل، فهذه التصريحات لم تكن يوما ذات فعالية حقيقية على أرض الواقع، لكنها ضرورية للتذكير الدائم بسطوة المطرقة الأميركية وقدرتها على التدخل عند الحاجة.

ومنها ما هو مستند على أن مواصلة تورط إيران في المستنقع السـوري تهـدد مصالحها وتستنزف قدراتها المالية والبشرية، في الوقت الذي تعاني فيه من مشكلات اقتصادية كبيرة، لكن كل ذلك لا يشكل سببا كافيا لخروجها، فدولة الفقيه تعتبر المشاركة في الصراع السوري جزءا من حماية أمنها القومي، وخروجها منافيا لسياستها الأيديولوجية التي تقوم في الأساس على التمدد في مناطق بعيدة، وعدم السماح للخصوم بالاقتراب من حدود الدولة.

بالنتيجة إيران لم تدخل سوريا لتخرج وهذا ما تم تثبيته حتى الآن، فقد استطاعت تثبيت نفوذها الاقتصادي والاجتماعي الواضح، حيث سعت إيران خلال الفترة الماضية إلى شراء أراض وعقارات وشاركت في تطوير بعض منشآت البنية التحتية، خاصة في مجال الاتصالات وفي مناجم الفوسفات والتنقيب عن النفط، وتسعى للحصول على مرفأ على الساحل يكون إطلالتها على المتوسط، واستطاعت التمدد داخل المجتمع السوري ونشر التشيّع وتثبيت موقعها كمرجعية للمتشيّعين بشكل يزيد من الصعوبات التي يمكن أن تواجه أي جهود قد تبذل لإخراج المسمار الإيراني من سوريا، فقد يتم إخراج الميليشيات بقرار إيراني أو دولي، لكن هل ستخرج إيران حقا؟

كاتبة سورية

هوازن خداج

نقلا عن “العرب”

مقالات ذات صلة