اراء و أفكـار

بانتظار جنيف الحقيقي

قال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف 6»، الذي بدأ أعماله قبل يومين بمشاركة الوفد الحكومي ووفد المعارضة: «إن الجولة الجديدة سوف تكون مختلفة عن الجولات السابقة»، وهو لهذا الغرض أجرى سلسلة من اللقاءات مع الوفدين قبل بدء الاجتماع، لكن من دون أن تتضح معالم «الاختلاف»، وما إذا كان يحمل جديداً يؤدي إلى اختراق ملموس يخرج الأزمة السورية من عنق الزجاجة باتجاه التسوية السياسية المرجوة.
مصادر المؤتمرين تحدثت عن أفكار جديدة طرحها دي ميستورا من بينها دعوة الوفدين إلى تشكيل لجنة تباشر درس وضع دستور جديد، وذلك في إطار ما تم الاتفاق عليه في «جنيف 5» بشأن السلال الأربع وهي: الإرهاب، ونظام الحكم، والانتخابات، والدستور.
لكن من الواضح أن تفاؤل المبعوث الدولي ليس في محله، لأن العلة ليست في الأفكار التي يطرحها، إنما في استعداد الطرفين لمباشرة العمل باتجاه الحل السياسي ومخرجاته، حيث هناك فجوة كبيرة في انعدام الثقة بينهما، وكذلك بالنسبة للطرفين ومواقفهما من الدول الأخرى الضامنة لاتفاق «خفض التوتر» الذي أقر في أستانة مؤخراً، إذ إن المعارضة لا تثق بكل من إيران وروسيا، كما أن الوفد الحكومي لا يثق بتركيا، لذا فإن أي تقدم حقيقي في المفاوضات السياسية لا بد أن يستند إلى عامل الثقة بالحد الأدنى، وإلى تبريد جبهات القتال كي لا تبقى رؤوس المتفاوضين حامية، ثم إلى قناعة القوى الإقليمية والدولية التي تتصارع على الساحة السورية بأن الحل العسكري صار مستحيلاً ولا بد بالتالي من الحل السياسي وإعطاء الإشارة إلى «جماعاتهم» من الحكومة والمعارضة بمباشرة مفاوضات جدية للتوصل إلى حل سياسي وفقاً للسلال الأربع.. وإلا فإن مفاوضات جنيف مهما بلغ عددها سوف تبقى تدور في حلقة مفرغة ومضيعة للوقت.
ثم من خلال متابعة المجريات العسكرية ميدانياً، وعلى ضوء المعارك التي تجري في شمال سوريا وشرقها في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي يمكن ملاحظة تداخل خطوط القتال بين القوات النظامية السورية وحلفائها والمدعومة من روسيا، مع «قوات سوريا الديمقراطية» بغالبيتها الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة، وكأن هناك تنسيقاً ضمنياً أو رسم خطوط تماس بين الجانبين، وهو أمر غير متوفر في جبهات أخرى تتواجد فيها المعارضة مع كل من «داعش» و«جبهة النصرة»، وهي المناطق التي شملها إتفاق «خفض التوتر»، ما يشير إلى أن هناك من لا يزال يراهن على استثمار الميدان لتحقيق أهدافه.
لا بأس أن يحاول دي ميستورا في جنيف، فهذه مهمته ودوره، لكن الحل الحقيقي لا يزال في مكان آخر، وعندما ينضج الحل في عواصم القرار يمكن أن يصدر عن «مؤتمر جنيف» الدخان الأبيض.. فجنيف الحقيقي لم يحن أوانه بعد.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة