ترامب الذي يتجدد بعد زيارته السعودية
محمد علي فرحات
مواجهة التطرُّف الديني والحدّ منه ليسا مهمة المتديّنين المعتدلين وحدهم، إنما صارت مهمة دولية، مع ثورة وسائل الاتصال وموجات هجرة حوّلت العالم قرية لا تخفى أخبارها، وجعلت الاختلاط الديني والعرقي واللغوي واقعاً لا تستطيع التنصُّل منه كيانات دينية أشبه بـ «الغيتو»، في مقدّمها إسرائيل، التي قدّمت حلاً لاضطهاد يهود أوروبا فأصبح مشكلة للمستوطنين وللفلسطينيين وللمحيط العربي.
الزيارة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب خارج بلده ستتم السبت المقبل إلى المملكة العربية السعودية، ولن تقتصر على الحدث البروتوكولي أو العلاقات الثنائية، إنما ستكون محطة أساسية في السعي نحو السلام العالمي، والمحافظة على وحدة الدولة الحديثة في وجه نزعات التفتُّت والتشرذم، ومواجهة موجات الكراهية والعنصرية التي تهدّد العلاقات بين البشر.
ثلاث قمم في السعودية سيحضرها الرئيس الأميركي، الأولى مع زعماء دول عربية وإسلامية، والثانية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة قمة ثنائية أميركية- سعودية. هذا الحدث غير المسبوق في العلاقات الدولية قامت السعودية بالتحضير له جيداً تحت مظلة التحالف العسكري الإسلامي وعبر مناقشات في مركز الملك فيصل للدراسات الاستراتيجية الذي سينظّم ندوة تستمر يومين، في موازاة القمم الثلاث، يشارك فيها مفكّرون وباحثون عرب وأجانب ويصدرون «إعلان الرياض لمكافحة التطرُّف والإرهاب». وفي موازاة التحضير السعودي، لا بد للإدارة الأميركية من أن تحمل اقتراحاتها للبيانات التي ستصدرها القمم الثلاث.
ومع أهمية الملفات المشتركة للزعماء المشاركين في قمم السعودية، سينتظر الجميع ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، لكونه جوهر معاناة العالم اليوم، في القلق على الأمن والاقتصاد وعلى التعايش بين الأديان والأقوام واللغات. في هذا الإطار، نشير إلى العلامات التالية التي تتميز بها زيارة ترامب:
1- يؤسس ترامب بزيارته نوعاً جديداً من السياسات الأميركية يقوم على الديبلوماسية المباشرة بحضور الرئيس وليس بواسطة مبعوثين كما كان يحصل سابقاً. وهنا يقدّم ترامب نفسه رئيساً مسؤولاً ويتجاوز صورته كمرشح يميني متزمّت لطالما بدا معادياً للمهاجرين ولثقافات «غريبة»، في مقدّمها ثقافات المسلمين.
2- يأمل متابعو الزيارة أن يطرح ترامب في القمم الثلاث سياسات عهده تجاه أزمات المنطقة العربية، في العراق وسورية وفي مواجهة التمدُّد الإيراني. وربما يصل إلى عرض خريطة طريق لحل هذه الأزمات طالباً من الزعماء الذين سيلتقيهم ملاحظاتهم على الخريطة.
ويفترض الفلسطينيون أن يجد ترامب مجالاً لبحث قضيتهم، وصولاً إلى حل الدولتين، خصوصاً أنه وعد في جولاته كمرشح بحل لهذه القضية، مع وعي بأنها مفتاح السلام في المنطقة العربية.
3- عناية القمم الثلاث بمواجهة التطرف والإرهاب، تعطي أهمية لمكان هذه القمم وللجهة السياسية التي تستضيفها، فالمملكة العربية السعودية مؤهلة أكثر من أي دولة أخرى لرسم خطط فكرية وعسكرية وتنفيذها للقضاء على الإرهاب، لكونها في مقدّم الدول التي ينتظر مسلمو العرب والعالم رأيها الديني والسياسي، كما تنتظره شعوب العالم التي تتعايش مع أقليات إسلامية في أوطانها. لا نتحدث هنا عن زعامة، لئلا تثير حساسيات لا مجال لها، وإنما عن دولة قادرة على تحمُّل مسؤولية عظمى، مثل محاربة الإرهاب، وتحظى بثقة الغالبية العظمى من المسلمين وغير المسلمين الذين يحلمون بمجتمعات متعدّدة تحترم التنوُّع الديني والثقافي.
4- سيعود ترامب من زيارته إلى السعودية بتجربة تعزّز موقعه الرئاسي، خصوصاً أن تصرفاته المتعجّلة وإحصاء خصومه أخطاءه الكبيرة والصغيرة، أساءت إلى صورته رئيساً: هل نصل إلى القول إن ترامب ما بعد زيارته السعودية سيختلف عن ترامب ما قبلها؟
نقلا عن “الحياة اللندنية”