اراء و أفكـار

سوريا.. فصائل مسلحة وصراعات لا تتوقف

تحقيق المصلحة الوطنية السورية والمشروع الوطني الديمقراطي لا يمكن أن ينشأ على أيدي هذه الفصائل والكتائب والقادة الذين أصبح لديهم إرث كبير من الأخطاء والانتهاكات بحق سوريا والسوريين على اختلاف مشاربهم.
الإسراع في خلق حالة عسكرية داخل الأزمة السورية للرّد على قمع النظام، والذي كانت بدايته مع الجيش السوري الحر في يوليو 2011، أثمر لاحقاً ظهور العديد من الفصائل التي لم تستطع العمل على فرض وجودها عبر جهاز عسكري واحد، قبل أن يغيب اسمها لصالح كتائب جهادية إسلامية لم تكن أفضل حالا في موضوع العمل الموحد في المناطق الساخنة.

شكّل اقتتال الفصائل الجهادية التي استُنبِتت واحتلت الفضاء الفكري والسياسي ردّا على تغلغل إيران ومناهضة مشروعها الديني المذهبي سمة أساسية في كنف الصراع السوري، فهذه الفصائل رغم تداخلها الشديد في مناطق الصراع السورية واشتراكها جميعاً من الناحية العقائدية في مرجعية واحدة وهي الشريعة الإسلامية، إلا أنها لم تتمكن من التوحد على هدف محدد، فخلافاتها التي ظهرت في بعض الأحيان على أنها صراع عقائدي، كالصراع بين حركة نورالدين الزنكي التي أبدت ميلا نحو جبهة فتح الشام والتشدد الديني، وبين تجمّع “فاستقم كما أُمرت” المعتدل نسبيا في إدلب، أو ما يحدث الآن من صراع في غوطة دمشق بين “جيش الإسلام” القوة الأكبر والذي ينتمي إلى مدينة دوما، ويعبر عن إسلام سلفي له إطاره الجهادي، ومقاتلو “فيلق الرحمن” المنتمين إلى مدن وبلدات أخرى في الغوطة وهم أقرب إلى الجماعة الإسلامية التقليدية المعارضة، لكن الناحية العقائدية ودرجة الالتزام ليس لهما أثر كبير في أساس الصراع والذي يمكن رده من جهة لأزمة العقل السياسي الإسلامي الذي تحكمه المال والسلطة.

فمنذ نشأة هذه الفصائل كانت الغنائم ركنا أساسيا بالنسبة إليها، إذ عدا عن استنادها إلى تراث إسلامي قديم، فهي تمثل التعبير الدقيق عن المصالح والثروة وأهميتها في تمويل نشاطات هذه الفصائل، ومن جهة ثانية التحرك وفق قاعدة الدعم الإقليمي الذي أعطى بعض الفصائل قوة على حساب الأخرى، وكان فاعلاً في عمليات التجميع والانشقاق وفي صراعات التصفية فيما بينها، وقيام تحالفات هشة تفرضها استراتيجيات السيطرة والنفوذ بعد أن حُشِرت المعارضات المسلحة في مناطق جغرافية ضيقة.

وقد تكون الصراعات في غوطة دمشق هي الأسوأ بين الصراعات ليس من ناحية ما تمثله الغوطة من أهمية نتيجة قربها من العاصمة، إنما لما تعيشه غوطة دمشق من معاناة لا تنتهي مع القصف والمعارك والحصار منذ بداية الثورة السورية، لتدفع فاتورتها الأكبر في الخلافات اللامنتهية للفصائل رغم رفض الأهالي وتظاهراتهم ضد الاقتتال أو ما تم تقديمه من مبادرات كمبادرة “الجيش الواحد” التي تقدم بها إعلاميون بغوطة دمشق الشرقية في أغسطس 2016 تعبيرا عن آمال سكان الغوطة المحاصرين، إلا أن الاشتباكات بين “رفاق الجهاد” لم تتوقف.

فالاشتباكات الحالية خلفت ما يقارب 200 قتيل في صفوف جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن، إلى جانب عدد من الضحايا المدنيين إثر استخدام الرصاص لتفريق المظاهرات المطالبة بوقف الاقتتال، وتزامنت مع ذكرى اقتتال سابق في 28 أبريل العام الماضي، بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن والذي أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المتحاربين، ومكّن النظام من التقدم بشكل واسع في الغوطة الشرقية.

في أجواء غياب اليقين حول المستقبل وصعوبة التعرف على وجهة الحرب في سوريا، فإن مناشدات وقف الاقتتال والسعي لتوحيد الفصائل لن يكون أكثر من بناء قصور بالرمال، فهذه الفصائل اعتادت العمل منفردة في الحرب والغنائم وأصبحت لها زعاماتها المحلية ومرجعياتها الأيديولوجية وشعاراتها ومكاسبها وداعميها، وفي حال توحّدها لن تقدم ما يمكن التعويل عليه في إنقاذ ما تبقى من سوريا التي تزداد غرقا بين مشروعين؛ مشروع النظام المرتبط بالمحور الإيراني الروسي ومكاسبهما، ومشروع الحركات الجهادية المرتبط بالفكر السلفي وداعميه حول العالم.

ليبقى الطريق الواضح لإنقاذ سوريا هو إنشاء جيش وطني سوري يسعى لإلغاء كل هذه التشكيلات والميليشيات التي تصطف بجانب المشروع الديني بتشكيلاته المتعددة، فتحقيق المصلحة الوطنية السورية بعيدة المدى والمشروع الوطني الديمقراطي لا يمكن أن ينشأ على أيدي هذه الفصائل والكتائب والقادة الذين أصبح لديهم إرث كبير من الأخطاء والانتهاكات بحق سوريا والسوريين على اختلاف مشاربهم.

هوازن خداج

 

نقلا عن العرب القطرية

مقالات ذات صلة