اراء و أفكـار

سوريا وشيطان التفاصيل!

تتجمّع معلومات كثيرة حول الوضع في سوريا تبدو في ظاهرها متضاربة ولكنها تفصح عن مسار عميق يحاول أن يصل إلى معنى فوق مدن القتل والتهجير الجماعي ومئات الرايات المتقاتلة على صور الماضي وقصص التاريخ وحصص الجغرافيا، متراشقة بالمظلوميّات المفترضة القومية والدينية والطائفية ومحوّلة إيّاها إلى طائرات وبراميل متفجرة وغازات كيميائية سامة ورغبة بالإبادة النهائية للآخر.
ميدانيّاً تتجمّع غيوم كثيرة لقوى عديدة مكلّفة، من بين المهام الكثيرة، بمهمّة وحيدة: محاصرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحسب الأنباء التي وصلت حتى الآن، والمتوقع إعلان بعضها قريباً، فإن تنظيمات التحالف الإيراني السوري، ممثلة بـ«الحشد الشعبي» من العراق، و«حزب الله» اللبناني من أماكن تحشّده السورية العديدة، وقوّات النظام السوريّ في تدمر تخطّط لعمليّة لإحاطة تنظيم «الدولة» في دير الزور.
الأنباء تقول إن هذه العمليّة قد تجد رافداً لها من «وحدات الحماية الكردية» المجوقلة والآتية عبر الطائرات الأمريكية، ومن قوّات «العشائر السورية» التي تشرف عليها الأردن وأمريكا وبريطانيا.
وإذا تمّ هذا السيناريو العسكري على الشكل الذي وصفناه فسيكون تعبيراً كثيفاً عن مستجدّ دوليّ جديد بعد الضربة الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات إثر قصف النظام لبلدة خان شيخون بغاز السارين فهو يعني أن موسكو استعادت المبادرة من جديد وأنها استطاعت «ابتلاع» آثار صدمة القصف الأمريكي، وأن واشنطن، أيضاً، تعتقد أنها أعادت توجيه البوصلة العالمية والإقليمية باتجاه هدفها المفضّل: تنظيم «الدولة الإسلامية».
غير أن الحقيقة أعقد من ذلك، فالواضح أن موسكو وحليفها الإيراني الرابضين على الأرض السورية صارا أدرى بشعاب سوريا المعقدة من الأمريكيين، فتوجيه القوى نحو إنهاء تنظيم «الدولة» لن يكون إلا دائرة صغيرة ضمن دائرة أكبر تشمل ترتيب أوضاع سوريا والإقليم، وهو ما يحول الأمر إلى ورقة كبرى في يد موسكو، التي يسافر وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى واشنطن اليوم للقاء وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وللإشراف على تمرير قرار روسيّ هدفه الظاهر هو تشريع اتفاق «أستانة 4» أممياً الذي قام بابتلاع فكرة «المناطق الآمنة» وحوّلها إلى «مناطق تخفيف التصعيد»، وهي مناطق، تتقلّص أو تتمدّد حسب فهم النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين لها.
القرار الذي قدمّته روسيا إلى مجلس الأمن الدولي أمس الأول الأحد حول إنشاء «مناطق لتخفيف التصعيد» ترافق مع رفض وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اليوم نفسه «أي دور للأمم المتحدة أو لقوات دولية في مراقبة» هذه المناطق، وأن ذلك سيكون منوطاً بـ… روسيا نفسها التي أشبعت تلك المناطق قصفاً وتدميراً!
ما سيحصل في هذا القرار الأممي لو تم تمريره هو ما حصل للقرار رقم 2254 والذي كان حصيلة لتراجع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام روسيا وأدّى، عمليّاً، إلى إنهاء فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة وتسليم المسار الفعلي للمفاوضات لروسيا وصولاً إلى الوضع الحالي.
في مراجعته لاتفاق «مناطق تخفيف التوتر»، ردد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس المثل الشائع «الشيطان يكمن في التفاصيل»، والحقيقة أن الاتفاق يغفل تماماً عن الشيطان المسؤول عن الحبكة الجهنمية للمسألة السورية وهو النظام السوري الذي استجلب احتلالين ودمّر بلاده وقتل شعبه وهجّر سكانه.

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة