اراء و أفكـار

الفرنسيون يختارون..

الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجري اليوم مرحلتها الثانية والأخيرة، وضعت الناخب الفرنسي بين المرشح الليبرالي إيمانويل ماكرون، وزعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبان، بعد أن فشل المرشحون الآخرون الذين يمثلون أحزاباً فرنسية عريقة وللمرة الأولى، من الوصول إلى المرحلة الثانية.
ماكرون، ولوبان، يخوضان معركة كسر عظم، وقد تبدى ذلك في حملاتهما الانتخابية، وفي المناظرات التي جمعتهما، بحيث تم وضع الناخب الفرنسي أمام خيارات صعبة، فهو غير مقتنع ببرنامج ماكرون، ومتخوف من نجاح لوبان.
ويشير استطلاع للرأي نشر قبل ساعات من بدء الانتخابات عن تقارب بينهما، مع أرجحية لماكرون. ويقول الناخب الفرنسي إنه غير مطمئن إلى ماكرون الذي اقتحم الساحة السياسية فجأة، من دون خلفية سياسية واضحة، ومن دون برنامج سياسي، واقتصادي يعتد به، ما أثار الشكوك حول الجهات التي دفعته، وأوصلته إلى موقع المنافسة الأول على منصب الرئاسة، خصوصاً ما يتردد عن دور رجال المال والأعمال، و«الدولة العميقة»، ومن جهة أخرى، ينظر إلى لوبان بخوف وقلق نظراً لأفكارها، ونهجها الذي يعزل فرنسا عن محيطها الأوروبي، وبالتالي يقود إلى تقوقعها، وما يسببه ذلك من مخاطر على الوحدة الأوروبية التي كانت فرنسا من صناعها التاريخيين، ومن ثم مواقفها العنصرية المعادية للمهاجرين، وتلاقيها بذلك مع الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة في نزعتها القومية الشوفينية الرافضة للأجانب.
لذلك، يجد الناخب الفرنسي نفسه أمام خيارين أحلاهما مُر، فهو لا يطمئن إلى ماكرون، ويخشى فوز لوبان. وأمام هذا الوضع يفضل هذا الناخب السيئ على الأسوأ، أي أنه يجد في ماكرون خياراً لا بد منه.
وبالنسبة إلينا كعرب، يبدو خيارنا كحال الناخب الفرنسي. فإذا كان موقفنا من المرشحين يقوم على أساس موقفيهما من قضايانا في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا، وغيرها،إضافة إلى مسألة الإرهاب، فإن مواقف ماكرون ولوبان لا تؤشران إلى تغيير يمكن الاعتداد به في السياسة الخارجية الفرنسية يختلف عما اعتدنا عليه من سياسات متذبذبة تمالئ «إسرائيل»، والولايات المتحدة، وغير جدية في محاربة الإرهاب.
من مفارقات الديمقراطية كخيار سياسي إنساني يوفر حداً من الحرية في التمثيل والتعددية وتداول السلطة، أن العملية الانتخابية تأتي أحياناً وفي مراحل تاريخية معينة بخيارات ليس بالضرورة أن تكون الأفضل ، فقد تأتي باسوأ الأشخاص، وأسوأ البرامج، وقد تكون النتائج كارثية بكل المقاييس، كمثال وصول الفاشية والنازية إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب، أو قدرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على المنافسة الانتخابية، وتحقيقها نتائج تؤهلها لتولي السلطة.
الناخب الفرنسي أمام خيار صعب، لكنه مضطر للخيار لإبعاد خطر التطرف عن فرنسا، والمحافظة على إرث الثورة الفرنسية في الحرية، والعدالة، والمساواة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة