اراء و أفكـار

فلسطين غائبة عن الأجندة

محمد خالد الأزعر

لم يسبق لأي أمين عام للأمم المتحدة أن حضر بنفسه واحداً من الاجتماعات التي يعقدها المؤتمر اليهودي العالمي سنوياً.

وحده أنطونيو غوتيرس كسر هذا التقليد منذ بضعة أيام، وألقى أمام أحدث هذه الاجتماعات كلمة، تلقاها المجتمعون بعواصف من التصفيق قياماً وقعوداً.

في حديثه المشبع بالمشاعر الجياشة، وعد غوتيرس إسرائيل بالتصدي لأي تصورات يفهم منها انحياز الأمم المتحدة ضدها، وقال «سأكون في طليعة محاربي اللاسامية، التي أحذر من تصاعدها في أوروبا والولايات المتحدة. ولا شك في أن إسرائيل تحتاج إلى التعامل معها كأي دولة أخرى».

من أجل تبصر مكنون هذه الوعود، وكيف أنها تعني، ضمن أشياء أخرى، الاصطفاف خلف إسرائيل في مواجهة المواقف الرافضة لسياساتها داخل المنظمة الأممية، علينا أن نتذكر اعتراض الأمين العام على قرار منظمة اليونسكو فى أواخر العام الماضي، الذي قضى بأن الحرم القدسي وضمنه المسجد الأقصى يخص الفلسطينيين وحدهم.. وأنه أدلى حينذاك برأي مخالف، زعم فيه بأن الهيكل كان موجوداً في القدس وأنه يعود لليهود.

أثناء وقوف غوتيرس في حضرة المؤتمر اليهودي والبوح بطروحاته المنحازة لإسرائيل، كان إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام في الزنازين الإسرائيلية قد دخل يومه السابع.

لكن الرجل لم يلحظ ذلك، وبالتداعي فإنه لم يتساءل عن أسباب هذا السلوك الاستثنائي الذي يعرض حياة المضربين لخطر الموت؟.

لو أن غوتيرس فعل ذلك، من باب أداء واجباته الوظيفية أو من قبيل الاستجابة لرسالتي الأسرى وأمين الجامعة العربية إليه بالخصوص، لتأكد أن هؤلاء المناضلين آثروا الدفاع بلحومهم الحية وأمعائهم الخاوية،عما كفلته لهم القوانين الدولية الشرعية ومواثيق حقوق الإنسان والشعوب تحت الاحتلال وفي ظل الأسر من حقوق.. وهذه لعلمه هي القوانين والشرائع ذاتها، التي يفترض أنه ومنظمته قائمان على صيانتها وتطبيقها بتجرد ومن دون مواقف مسبقة.

لعلم الأمين العام، فإن الدولة الوحيدة في عالمنا الراهن التي تحتل أراضي دولة أخرى بالكامل، وتسوم شعبها سوء العذاب وتمنع عن أسراه ومعتقليه الدواء والغذاء والكتاب وزيارة الأهل والتواصل معهم وتحاول تجريدهم من إنسانيتهم، ليست جديرة بالتعامل معها كدولة عادية. لا ينبغي لغوتيرس أن يطالب بمعاملة الدولة الأكثر خروجاً على قوانين الحرب والسلام، والأكثر عصياناً لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك القرارات التي أنشأتها وقبلت على أساسها عضواً في هذه المنظمة، كسائر خلق الله من الدول.

حري بهذا الرجل أن يراجع دروسه وأن يهتدي بلوازم مهنته العابرة للآراء الشخصية، ليعرف الفارق بين إسرائيل وبين غيرها من الدول.

ظاهر الحال أن رؤى غوتيرس تندرج في سياق حملة لتطبيع منظور المجتمع الدولي لإسرائيل وتحسين صورتها، وذلك بغض النظر عن سوءاتها القانونية وجرائمها في فلسطين.

ففي إطار المناسبة ذاتها التي أدلى بين يديها الرجل بمداخلته المومأ إليها، انبرت نيكي هيلي، مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة، للدفاع بشكل مستميت عن هذه الصورة.

ومن حديثها أعادت هيلي على الأسماع الأسطوانة القديمة المشروخة عن «إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة، التي ليس للولايات المتحدة أصدقاء مخلصين غيرها في الشرق الأوسط، وقد حان وقت التوقف عن تقريعها».

حين اختار الرئيس دونالد ترامب السيدة هيلي، حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية، لمنصبها الحالي، ثارت هواجس البعض تجاه صلاحيتها لأنها تفتقر للخبرة في السياسة الخارجية.

وقد تيقنا لاحقاً من صحة هذه الهواجس، فلو كانت هذه السيدة على دراية بأحوال الدنيا خارج ولاية كارولينا، لوقفت على أسباب التقريع الدائم لإسرائيل داخل الأمم المتحدة وخارجها.

للإنصاف، يمكن التماس العذر للسفيرة الأميركية حتى لو كانت أكثر خبرة بالعلاقات الدولية وقضية فلسطين، فهي لا تمثل نفسها وإنما ما تمليه عليها واشنطن.

هذا في حين يصعب تفهم الدور الذي يضطلع به غوتيرس، وتجاوزه لموضوع حقوقي ساخن كقضية الأسرى وإضرابهم في سجون إسرائيل، كونه يمثل القانون والتنظيم الدوليين.

تقديرنا أن الدبلوماسية العربية مطالبة ببذل جهد أقوى، لتنبيه الرجل ومنظمته عاجلاً إلى ما غفلا عنه سهواً أو أغفلاه لؤماً و قصداً، وذلك بعض حقوق الأسرى وقضيتهم على قومهم.

نقلا عن البيان

مقالات ذات صلة