اراء و أفكـار

فلسطين الأسرى وحدها تقاوم الاحتلال.. والانقسام

عبدالوهاب بدرخان
تشير الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى حقيقة قاسية، كاشفة وفاضحة، هي أن المقاومة المشروعة والبديهية للاحتلال لم تعد متاحةً إلا في الأسر، داخل جدران المعتقلات، وفي غرف العزل والتعذيب؛ حيث لا وسائل ولا مقوّمات سوى الجوع كصرخة للحق، والصمود كمقارعة للقمع، وألم الانطفاء كأمل في رفع الظلم، أسرى اليوم هم فدائيو الأمس، يضربون عن الطعام كمَن ينخرطون في العمل المسلح عارفين أن قرارهم ينطوي على قبول مسبق بالاستشهاد، وليس رغبةً في الموت.
منذ كان الاحتلال كان هناك أسرى، وسيبقى هناك أسرى ما بقي الاحتلال، الحلقة المفقودة هي المقاومة خارج المعتقلات ليشعر الأسرى بأنهم ضريبة تلك المقاومة وبأن لأسرهم معنى، أما أن يتحولوا لورقة ابتزاز يستخدمها العدو والحلفاء الدوليون للعدو لاستدراج تنازلات من السلطة الفلسطينية فيما يسمّى حلاً تفاوضياً، ولا تفاوض ولا حلول، فهذا يضاعف إحباط الأسرى، ويدفعهم إلى اليأس؛ لذا يذهبون إلى الجوع ليصنعوا من اليأس ضوءاً في النفق، صحيح أنه إضراب ضد السجّان، لكنه أيضاً انتفاضة على السلطة، وعلى الخمول، والصمت خارج الجدران، لم يبقَ للأسرى الفلسطينيين سوى المعدة الخاوية يقاتلون بها، فهل لم يبقَ للفلسطينيين الطلقاء شيء على الإطلاق؟.
الأسرى يقاربون الموت؛ ليحيى شعبهم ويدافع عن قضيته، ويعلمون أن شعبهم يعيش مثلهم بين جدران، والعدو لم يعد آلة قتل فقط وإنما جدار أصمّ، لكنه جدارٌ يفرض قوانينه، والأسرى مضطرون لمقارعته بالقوانين؛ لأن للأسير أيضاً حقوقه المعترف بها عالمياً، ومع ذلك فإن العالم لا يجد سبيلاً إلى إلزام إسرائيل بالقوانين فهو أيضاً إزاء جدار أصمّ، جدار تحمي الولايات المتحدة «عقليته» التي تعامل الأسرى وغير الأسرى سواء بسواء، وتحمي سلوكه الوحشي وعدم إنسانيته وإجرامه السافر، وسرقاته العلنية للأرض والحقوق.
ولعل للخارج غداً أيضاً جداراً؛ إذ لم يُسمع أي ردّ على وزير إسرائيلي طالب بقانون يسمح بإعدام الأسير الذي يُضرب عن الطعام، أو يطالب به، كما لم يُسمع أي تعليق على مطالبة سياسيين إسرائيليين بتشديد ظروف الاعتقال، وعدم الرضوخ للمطالب التي يسلّط فيها الأسرى الضوء على تعسّف «قوانين» سلطة الاحتلال، وعدم اكتراثها بأوضاع النساء، والقاصرين والقاصرات، ولا بحاجات المرضى المزمنين، ولا بالأسرى الذين أمضوا عقدين، وأكثر ولا يُراد الإفراج عنهم.
ليس فقط أن الأسيربات وحده المقاوم للاحتلال، بل إن المعتقلات أصبحت المكان الوحيد الذي يمكن أن تذوب فيه خلافات الحركات السياسية وانقساماتها، وكأن فلسطين الأسيرة هي ما تبقّى من فلسطين وقضيتها الوطنية التي ضُربت أولاً بخدع مشروع «السلام» ثم تلقّت ضربة قاسية بإقدام إسرائيل على الفصل بين الضفة والقطاع، وما لبث الصراع على السلطة أن استحال ضربة قاضية بذريعة الخلاف على منهج مقاومة الاحتلال، فإذا بالسلطة والمقاومة تضيعان هنا وهناك، فهل لهذا الخلاف، على افتراض أن دوافعه المعلنة حقيقية، أن يبرّر تبديد المشروع الوطني والمجازفة بالقضية؟ الأسرى يقولون لا لجميع أطراف الانقسام، ويقولون كيف يمكن الحفاظ على الوحدة الوطنية؟ فإذا كانت الوحشية الإسرائيلية المشرعنة أميركياً زادت الصعوبات على المقاومة المسلحة، فإن الوحشية ذاتها تستخدم الانقسام لإضاعة فرص المقاومة الشعبية السلمية؛ ولذلك لم يبقَ سوى المعتقلات لخوضها، أياً كانت التوقعات منها.;

نقلا عن “العرب القطرية”

مقالات ذات صلة