اراء و أفكـار

فرنسا تتغير

انتهت المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية بأكثر من مفاجأة، وإن كان وصول مرشح الوسط إيمانويل ماكرون وزعيمة حزب «الجبهة الوطنية» مارين لوبان إلى الدورة الثانية في السابع من مايو/‏‏‏ أيار المقبل كان متوقعاً.
المفاجأة تمثّلت بوصول هذين المرشحين إلى السباق الأخير، وهزيمة الحزبين التقليديين الكبيرين اليميني واليساري (الاشتراكي والجمهوري) وخروجهما من السباق للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية الخامسة العام 1958، ودخول حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف بقوة إلى الساحة السياسية، متقدماً على أحزاب عريقة متجذرة في الحياة السياسية الفرنسية، إذ حصدت لوبان حوالي 22 في المئة من أصوات الناخبين الفرنسيين(سبعة ملايين صوت)، وهذا يعتبر تقدماً غير مسبوق لليمين الفرنسي.
المفاجأة الأخرى تتمثّل بالصعود المذهل لمرشح الوسط ماكرون، متجاوزاً كل التوقعات والحسابات، وهو الذي نزل إلى الساحة على حين غرة من دون خلفية سياسية معروفة، أو تاريخ يعتد به ويحسب له في العمل الوطني العام، باستثناء عمله لفترة في قصر الإليزيه العام 2012 ثم وزيراً للاقتصاد لعامين، وتأسيسه في سبتمبر/‏‏‏ أيلول الماضي حركة «إلى الأمام» التي انتسب إليها حوالي 200 ألف شخص، معظمهم من الشباب خلال وقت قصير، قبل أن تعلن هذه الحركة برنامجها السياسي، ما يرسم أكثر من سؤال حول الجهات التي دفعت به بهذه القوة ومنحته زخماً جماهيرياً غير مسبوق، وهيأت له الأرضية للتفوّق على الجميع، وذلك وسط معلومات تحتاج إلى تدقيق عن دور«الدولة العميقة» ومؤسسات المال والأعمال المهيمنة.
مهما يكن من أمر، أعلن الفرنسيون للمرة الأولى القطيعة مع الأحزاب التقليدية الفاشلة والطبقة السياسية الفاسدة التي لم تورّث فرنسا إلا الأزمات الاقتصادية والبطالة، وتصاعد المخاوف الأمنية جراء التهاون في مقاومة التطرف والإرهاب، فقرّروا التغيير باختيارات متطرفة وغير مألوفة، أملاً بأن يؤدي هذا الاختيار إلى إخراج فرنسا من مستنقع الفشل والترهل الذي وضعتها فيه الأحزاب التقليدية.
بدأت الآن المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ومن الواضح أن ماكرون هو الأوفر حظاً، بل يمكن القول إنه وضع رجلاً على عتبة الإليزيه، وعليه أن يبدأ المفاوضات مع الأحزاب الأخرى للتصويت لصالحه يوم 7 مايو/‏‏‏ أيار، رغم أن معظم المرشحين الذين فشلوا أعلنوا دعمهم له، كما يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي.
ماكرون يحتاج إلى قوة دافعة لتطويق طموحات لوبان المصرّة على التحدي وتأكيد أن اليمين يتقدم ويمكنه تحقيق انتصار، وهذا يستوجب إقامة حائط صد من كل الفرنسيين الذين يرفضون التطرف.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة