اراء و أفكـار

ترامب وترميم الصورة

لم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أحسن حالاته، ففي الأسابيع الأولى لوجوده في البيت الأبيض واجه نكسات عدة متتالية أولها فشله في تمرير قرار بمنع مواطنين من سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، بعدما منعت المحاكم الفيدرالية تنفيذه. ثم فشله في إلغاء التشريع الذي كان وضعه الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية (أوباما كير). وإجبار مستشاره للأمن القومي الجنرال مايكل فلين على الاستقالة لشبهة علاقة كانت قائمة مع روسيا قبل تعيينه، ثم التحقيقات الجارية بشأن تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأمريكية لمصلحته ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
إضافة إلى كل ذلك، هناك الصراع المحتدم بين أركان إدارته في التكالب على السلطة والنفوذ، وهو أمر لا يزال قائماً.
في مثل هذه الحال وجد ترامب نفسه فجأة في وضع لا يحسد عليه، فهو الذي كان قد روَّج في حملته الانتخابية ل «أمريكا العظيمة» و«أمريكا أولاً»، استفاق على انحدار غير مسبوق في شعبيته التي وصلت إلى 35 بالمئة حسب صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز، وهو أدنى مستوى سجله رئيس جديد.

ترامب الموصوف بأنه لا يعرف مسالك السياسة، رجل أعمال يتقن فن الصفقات ، كما يتقن عمل نجم تلفزيون الواقع ووسائل الإعلام التقليدية الاجتماعية، كان لا بد له وهو سيد البيت الابيض أن يعمل على تغيير هذه الصورة النمطية عنه وترميمها، ويقدم نفسه كرئيس قوي وغير تقليدي.. رجل صعب وعظيم ويعرف كيف يتعامل مع الأزمات العالمية التي تحمي مصالح أمريكا.
خلال أسبوعين أقدم على ثلاثة أعمال حربية يرى أنها تقدمه كزعيم دولة عظمى تستطيع أن تفعل شيئاً مميزاً، وتوفر له دعماً داخلياً بحاجة إليه داخل حزبه الجمهوري وفي أوساط سياسية وعسكرية تتوق لحروب خارجية على غرار ما فعل الرئيس الأسبق جورج بوش الذي أرهق الولايات المتحدة بالحروب الخاسرة وكبدها خسائر مالية هائلة لا تزال تئن تحت وطأتها.
كان العمل الأول استهداف قاعدة «الشعيرات» الجوية السورية بواسطة صواريخ توما هوك رداً على الهجوم الكيماوي الذي تعرضت له بلدة خان شيخون في محافظة إدلب السورية ، ثم إرسال حاملة طائرات أمريكية مع سفن حربية مرافقة باتجاه شبه الجزيرة الكورية في عرض للقوة لردع كوريا الشمالية عن المضي في تجارب الصواريخ البالستية والنووية التي تهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ثم كان آخرها استخدام أكبر قنبلة غير نووية في العالم في أفغانستان ضد مواقع لتنظيم «داعش».
هذه الأعمال الحربية لم يكن المقصود منها ما استهدفته من مواقع فقط، بل يتعداها من حيث استهدافاتها السياسية للدول المعنية (روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وإيران) بأن في البيت الأبيض من لديه القدرة على العمل واتخاذ القرار وتنفيذه.
لكن ترميم الصورة شيء واتخاذ القرار الصائب شيء آخر. لأن أي خطأ في الحساب قد يؤدي إلى حرب كارثية، واللعب على حافة الهاوية ليس سليم النتائج دائماً خصوصاً مع دولة مثل كوريا الشمالية لا تعير اهتماماً للبعد الأخلاقي في السياسة كما هو حال الولايات المتحدة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة