اراء و أفكـار

القمة.. والأمل

نعرف أن القمة العربية ال 28 تعقد اليوم في الأردن وسط عواصف هوجاء تضرب الأمة من كل حدب وصوب. ونعرف أن المركب العربي تعصف به الأنواء في خضم محيط مدلهم لا تبدو من حوله بارقة أمل يمكن أن تؤدي إلى بر الأمان. ونعرف أن خيوط الرجاء تكاد تتقطع وسط هذه الخلافات والصراعات التي تذر بقرنها، وتمزّق نسيج الأمة ووحدتها وبقايا شيء اسمه النظام العربي. ونعرف أن شيطان الإرهاب والتكفير تمكن من بعض هذه الأمة وشوّه دينها وقيمها، واستباح إنسانها ودمّر حضارتها. ونعرف أن عدوها القومي والوجودي ازداد سعاره واستفحل عدوانه وتعاظمت عنصريته على أرض فلسطين بما يمارسه كل يوم من إرهاب وجرائم ضد الإنسانية وليس ضد الإنسان الفلسطيني فحسب. ونعرف أيضاً أن الأرض العربية تحولت إلى ساحة لصراع القريب والبعيد، وكل طامع وطامح بالأرض والثروات، لأننا تركنا أبوابنا مشرَّعة للريح، وجدراننا متصدعة بلا ترميم، وسقوفنا عارية مفتوحة لكل من يريد أن يدخل ويتدخل ويحتل بلا إذن أو تصريح.
نعرف كل ذلك، ولا نرى في الأمر عجباً.. فهذه حالنا بلا تجميل أو تزويق.
لذا، فقمة الأردن تواجه وضعاً صعباً وقضايا شائكة لا بد أن تعالجها وتحدد مواقف منها. فالظروف الاستثنائية تفترض قمة استثنائية ونتائج استثنائية.
لعل القادة العرب يدركون كل ذلك، ويعرفون أكثر من غيرهم أن الوقت ليس في صالحهم، فالسكين يجز الرقبة ويقطع الأوصال، وهو ماضٍ بلا توقف في تقطيع الجسد العربي، وأن لا رجاء من أجنبي أياً كان في أن يتولى مهمة الإنقاذ، لأن الجرح عربي والجريح عربي، ولا بد من دواء عربي ونطاسي عربي، لأن الغريب لا يقدم خدمة إلا بثمن وليس مستعداً لأن يتحمل عبئاً يجب أن تقوم به. فلا يحك جلدك غير ظفرك.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، صاحب الرؤية الثاقبة والمشغول دائماً بقضايا أمته والعامل على رفعتها ونهضتها، بدا متفائلاً رغم هذا الظلام الدامس، لكن كيف؟ يقول وهو في طريقه إلى القمة على رأس وفد الإمارات: «لدينا في منطقتنا الكثير من الأمل إذا أحسنا العمل على استغلال الطاقات والموارد، ونتمنى التركيز على الفرص المشتركة وليس فقط على إطفاء الحرائق».
الإرهاب، فلسطين، سوريا، العراق. ليبيا، اليمن، ومخاطر التدخل الإيراني في المنطقة، استباحة الأرض العربية بالجيوش والأساطيل دون موافقة أهلها..كلها وغيرها عناوين لقضايا مطروحة على القمة. كلها متشابكة وخطيرة ومعقدة تحتاج إلى مواقف حاسمة، وإلى إرادة وشجاعة وشيء من النبل والشهامة، والارتفاع فوق الضغائن والأحقاد وتجاوز الماضي بكل مساوئه، ذلك أن خمس سنوات من الدم والدمار والقتل والتهجير تكفي كي نكون قد تعلمنا الدرس، ونبدأ من أول الطريق في الخروج من صحراء التيه، بعد أن ضاقت الأرض العربية بمن عليها.
أياً تكن نتائج القمة لن نفقد الأمل، ولن تسقط هذه الأمة، ولن يسمح ب «نكبة ثانية»، ولن يتم التنازل عن حقوق تاريخية رسم الدم حدودها، ولن ينجح القريب والبعيد في تحقيق مآربهم لا بالتدخل ولا بالغزو ولا بالاحتلال ولا بالتهويد.
نحن أمة تجدد نفسها، تكبو لكنها لا تموت، تسقط ثم تنهض، تغمض عينيها لكنها لا تغفو.. راجعوا التاريخ.
وأخيراً نردد مع الشيخ محمد بن راشد: «تحديات المنطقة كبيرة، وأملنا في هذا الاجتماع العربي الواسع كبير.. ونتمنى التوفيق للجميع».

نقلا عن الخليج

مقالات ذات صلة