اراء و أفكـار

العراق وستراتيجية ترامب للقضاء على «داعش»

الكاتب:عبد الحليم الرهيمي

بعد اقل من عشرة ايام على تنصيبه في 20 كانون الثاني الماضي أصدر الرئيس الخامس والاربعون للولايات المتحدة دونالد ترامب عدداً من القرارات المهمة على الصعيدين الداخلي الاميركي والخارجي. وكان من بين هذه القرارات اصداره في 28 كانون الثاني الماضي أمراً يمهل فيه الجيش ووزارة الدفاع شهراً واحداً لإعداد خطة ستراتيجية شاملة تتضمن خططاً لهزيمة تنظيم (داعش) واعداد قائمة بالمقترحات الرامية الى تجفيف منابع تمويل المتطرفين، وقد دعا الامر التنفيذي ايضاً وزير الدفاع جيمس ماتيس الى اعداد التوصيات اللازمة بشأن تغيير قواعد الاشتباك التي يطبقها الجيش في حربه ضد داعش.
وقبل اصدار هذا الامر التنفيذي كان الرئيس ترامب قد شدد في خطاب تنصيبه على أهمية القضاء على (داعش الارهابي) الذي وصفه بـ (الشر الواجب التخلص منه .. ونحن في طريقنا للقيام بأشياء عظيمة).
وتنفيذاً للأمر الرئاسي أعلنت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) في 28 شباط المنصرم، اي بعد انتهاء مهلة الشهر، تقديم وزير الدفاع جيمس ماتيس مشروع الستراتيجية الى الرئيس ترامب لدراستها والأخذ بما يراه مناسباً فيها.. وكانت هذه الخطة الستراتيجية قد أعدت في ضوء المواقف التي عبر عنها ترامب سواء في حملته الانتخابية او في خطاب التنصيب والتي دعا فيها (لهزيمة داعش والقضاء عليه)، وهي تصريحات ومواقف بدت في رأي كثير من المحللين وكأنها (الشغل الشاغل لترامب).
اعلن ترامب، بشكل مبكر عن نواياه وخططه لمحاربة داعش وهزيمته والقضاء عليه وعبرت الخطة الستراتيجية التي وصفت بالشاملة عن أولى الخطوات العملية التي ستقوم بها ادارة ترامب ضد داعش ومحاربته سواء في العراق وسوريا او ابعد من ذلك، والتي لا تقتصر فقط على الأعمال العسكرية والأمنية انما ستعتمد ايضاً على تجفيف المنابع الفكرية والمالية ومصادرها.
واذا كان أمن واستقرار الولايات المتحدة وتحصينها من اية اعمال ارهابية يقوم بها داعش والجماعات الارهابية الاخرى ضدها او ضد حلفائها، يمثل الهدف الاول والرئيسي لهذه الخطة فان ضمان أمن واستقرار الدول الصديقة والحليفة لها كالعراق يمثل الهدف الرئيسي الثاني، ان لم يعتبر عملياً ضمن الهدف الرئيسي الاول كون محاربة داعش في العراق وهزيمته والقضاء عليه سيحول دون امتداده لاحقاً، وبأي شكل الى الولايات المتحدة وحلفائها في العالم.
من هنا يصبح العراق، الذي يحارب داعش عسكرياً على الأرض أصالة عن شعبه وسيادته ونيابة عن العالم، المعني الاول او الرئيسي في تحديد دوره في هذه الخطة الستراتيجية، وفي صياغة الخطط والاعمال المشتركة مع واشنطن لتطبيق تلك الستراتيجية خاصة وان العراق يعتبر، في رأي ترامب، (الشريك الاساسي) للولايات المتحدة كما عبر عن ذلك خلال المكالمة الهاتفية التي عبر فيها رئيس الوزراء الدكتور العبادي عن تهنئته للرئيس ترامب على تسنمه منصب رئاسة الولايات المحدة، والتي اكد فيها ترامب للعبادي بأن العراق سيكون (شريكا اساسيا للولايات المتحدة ويحظى بالمزيد من الدعم والمساندة ..)
ان استعداد ادارة ترامب لدعم العراق كشريك اساسي اضافة لارتباط البلدين، العراق واميركا، باتفاقية «الاطار الستراتيجي» التي وقعت عام 2008 ، هو امر يعني توفر افضل ظروف التعاون والتنسيق بينهما، ليس في هذه المرحلة التي تتطلب المزيد من الدعم والاسناد وفي مختلف المجالات الامنية واللوجستية والتسليحية لمحاربة داعش، انما ايضاً في المرحلة التالية التي تتطلب البناء والاعمار، وخاصة اعادة اعمار البنى التحتية التي دمرت بفعل الحروب والفساد، وكذلك المساهمة في اعادة البناء الاقتصادي واقامة المشاريع الستراتيجية الكبيرة التي تساعد على نهوض العراق وتعويض ما فاته خلال السنوات الماضية من بناء واعمار وتقدم وازدهار حيث عطلت كل ذلك الحروب والسياسات العبثية للسلطات الحاكمة وكذلك الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة والمجتمع خلال تلك الفترة.
واذا كانت الفرص قد سنحت سابقاً لاقامة افضل العلاقات مع الولايات المتحدة والاستفادة القصوى من علاقاتنا الايجابية معها بعد عام التغيير في 2003 لم تتم الاستفادة المطلوبة من استعدادها لدعم العراق ومساندته، ولم تتم الاستفادة من توقيع (اتفاقية الاطار الستراتيجي) وتفعيلها.. فان الفرصة الآن أصبحت سانحة بشكل اكبر بعد التطورات الايجابية التي نشهدها في الموقف الاميركي تجاه العراق. ان اهم التعبيرات العملية لتحقيق ذلك، ان تقوم الحكومة بتشكيل وفد متخصص يتوجه الى واشنطن لدراسة طبيعة وأشكال دور العراق في تنفيذ الخطة الستراتيجية لمحاربة داعش، على ان يرافق ذلك ويتبعه تشكيل لجان متخصصة تدرس في كيفية تطوير وتفعيل (اتفاقية الاطار) في مختلف المجالات والفصول التي تتضمنها ثم التوجه بعد ذلك لمناقشة مخرجات اجتماعات تلك اللجان مع الجانب الاميركي للاتفاق
على صيغة جديدة متقدمة ومتطورة للاتفاقية.
ان هذا التوجه لتطوير علاقات العراق مع الولايات المتحدة وقيام الحكومة بدور اساسي في ذلك، فضلاً عن دور البرلمان، ينبغي ان تتبناه ايضاً القوى والتيارات السياسية بمختلف اتجاهاتها حتى تلك التي لها آراء سلبية وغير ودية تجاه الولايات المتحدة والتي يمكن الاحتفاظ بها وحتى التعبير عنها، لكن دون ان تعرقل او تؤثر في التوجه لتطوير العلاقات، مع الولايات المتحدة لمصلحة العراق وشعبه، مثلما هو لمصلحة واشنطن ايضاً، وفق مبدأ المصالح المشتركة بين دول العالم وشعوبه.

نقلاً عن “الصباح”

مقالات ذات صلة